الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وقفة مع حديث : " أحبب حبيبك هونا ما .. "
قال الإمام أبو عيسى محمد بن سؤرة الترمذي في (( الجامع )) ( 6/123/2065 تحفة ) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا سُويدُ بن عمرو الكلبي عن حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أراه رفعه " قال : أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " .
قال أبو عيسى ـ رحمه الله ـ : (( هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه . وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا ، رواه الحسن بي أبي جعفر وهو حديث ضعيف أيضاً بإسناد له عن علي عن النبي . والصحيح هذا عن علي موقوف )) .
قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في (( غاية المرام )) 273/472 : (( قلت : إسناد حديث أبي هريرة عندي جيد ؛ رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ليس فيهم من يُنظر في حاله سوى سُويدُ بن عمرو الكلبي ، وقد قال النسائي وابن معين : ثقة . وقال العجلي : ثقة ثبت في الحديث ، وكان رجلاً صالحاً متعبداً . ولم يتكلم فيه غير ابن حبان كما رأيت ( 1 ) ، فلا يلتفت إليه لا سيما وهو من رجال مسلم ، فاتفاق الجماعة على توثيقه مما يوهن كـلام ابن حبان فيه ، وقد أحسن الذهـبي حين قال في (( الميزان )) : (( و أما ابن حبان ، فأسرف واجترأ ، فقال : كان يقلب الأسانيد … )) . ثم نسي الذهبي هذا فأورده في (( الضعفاء )) من أجل كلام ابن حبان هذا ! وقال الحـافظ في (( التقريب )) : (( أفحش ابن حبان القول فيه ولم يأت بدليل )) . ولذلك لم يعرج الخزرجي عليه فلم يذكر في المترجم غير توثيق الأئمة الثلاثة الذين ذكرناهم وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى فالإسناد صحيح ، واستغراب الترمذي لا وجه له .. )) .
فقه الحديث :
يحث النبي أمته على الاعتدال في جانبي المحبة والبغض حتى لا يؤدي ذلك إلى الإسراف ومجاوزة الحد .
قال العلامة ابن الأثير ـ رحمه الله ـ في (( النهاية )) 5/284 : (( " أحبب حبيبك هونا ما " أي حباً مقتصداً لا إفراط فيه وإضافة (( ما )) إليه [ أي لهون ] تفيد التقليل : يعني لا تسرف في الحب والبغض ، فعسى أن يصير الحبيب بغيضاً ، والبغيض حبيباً ، فلا تكون قد أسرفت في الحب فتندم ، ولا في البغض فتستحي منه إذا أحببته )) .
قال العلامة ابن العربي المالكي ـ رحمه الله ـ : (( معناه أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضاً وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب ثم عاد بغيضاً كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار ، وقال عمر رضي الله عنه : (( لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً )) ( 1 ) [ فقلت : كيف ذاك ؟ قال : (( إذا أحببت كَلِفْتَ كلـف الصبي( 2 )، وإذا أبَغضت أحببَتَ لصاحبك التِّلف )) . ] ( 3 ).
وعليه أنشد هدبة بن خشرم :
وأبْغِـضْ إذا أَبْغَضْتَ بغضــاً مقـارباً فإنك لا تدري متى أنت راجعُ
وكن معدناً للخير واصفح عن الأذى فإنك راءٍ ما عمــلت وسـامعُ
وأحــبب إذا أحبـــبت حبـاً مقــارباً فإنك لا تدري متى أنت نازعُ
ولهذا قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : (( أحبوا هوناً وأبغضوا هوناً فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا ، وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا )) .
وقال محمد بن الحنفية t : (( ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً ؛ حتى يجعل الله له فرجاً أو مخرجاً )) ( 4 ).
هذا ما تيسر جمعه حول هذا الحديث ، والله أسال أن ينفع به كاتبه وقارئه .
ملاحظة أخيرة
عامة الحفاظ على أن هذا الحديث لا يصح إلا موقوفاً على علي رضي الله عنه ، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا من حديث علي ولا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والحمد لله رب العالمين .