أما بعد ، فيا عباد الله :
نعود إلى الحديث عن سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
تهيأ أصحابه للهجرة ، وكان قبل هجرته بسنة أو بسنة وشهرين على المشهور وقعت له حادثة ، هذه الحادثة هي حادثة الإسراء والمعراج .
تحدثت عن هذه الحادثة فيما سبق من سنوات .
ولكنني أحببت أن أعيدها مرة أخرى من أجل أن أضيف إليها بعض المعلومات ، ومن أجل أن أبين عظمة ما جرى له عليه الصلاة والسلام في هذه الحادثة .
عندنا إسراء ومعراج
الإسراء : ما وقع في الأرض ، وذلك من مكة إلى بيت المقدس
المعراج :رحلة إلى السماء ، وهي الحاصلة من بيت المقدس إلى السماء
الإسراء والمعراج من أصول أهل السنة والجماعة ، من أصول الإيمان بالله ، وبالنبي عليه الصلاة والسلام .
ولذا نصّ أبو جعفر الطحاوي في طحاويته ، ونص ابن قدامة في لمعة الاعتقاد ، وهذان كتابان يتعلقان بالعقائد
نصا رحمهما الله على أن الإيمان بحادثة الإسٍراءوالمعراج من أصول الإيمان
هذا الإسراء والمعراج – كما ذكر ابن كثير، وابن القيم وابن حجر وغيرهم من العلماء المحققين ، ذكروا أنه وقع مرة واحدة ، والدليل على ذلك :
أن الله عز وجل فرض على النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحادثة الصلاة ، ولو كانت هذه الحادثة مرارا فكيف يفرض الله عز وجل على هذه الأمة الصلاة مرات عديدة .
وحصل ذلك يقظة ، لأنه لو كان مناما لما أكبرته ولما أعظمته قريش ، ومعلوم أن النوم قد يرد فيه ما يرد
وحصل هذا بروحه وبدنه ليس بروحه فقط ، وإنما حصل بروحه وبدنه ، ويدل لذلك قول الله عز وجل : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))
وكلمة " العبد " تتضمن الروح والجسم .
وهذه الحادثة – عباد الله – ما أذكره عنها هو ما ورد في الصحيحين أو في أحدهما ، وما كان في غيرهما سأذكره إن شاء الله .
وما أذكره إما أن يكون صحيحا ، وإما أن يكون مسكوتا عليه عند بعض العلماء كابن حجر رحمه الله الذي يرى في الفتح يرى أن ما ذكره من حديث فهو مقبول عنده ،إما أن يكون صحيحا عنده ، وإما أن يكون حسنا
وذلك لأن هذه الحادثة وقعت فيها أحاديث ضعيفة و مختلقة ليست صحيحة
إذاً ما أذكره يكون صحيحا بإذن الله تعالى ، وغالبه في الصحيحين أو في أحدهما .
فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته ، وجاء في الصحيحين : " انه أتاه عند البيت "
وجاء عند مسلم : " أنه أتاه عند الحِجْر "أو " الحطيم " وكلاهما الحجر والحطيم بمعنى واحد كما قال ابن حجر رحمه الله
وجاء عند الطبراني :" أنه أتاه في بيت أم هانئ "
فيقول ابن حجر رحمه الله :" لا اختلاف بين هذه الروايات ، فإن الملك أتاه في بيت أم هانئ ، ونسب البيت إليه لكونه يسكنه عليه الصلاة والسلام ، ثم خرج به الملك من البيت وبه أثر النعاس إلى البيت ، ثم أتى به إلى الحجر أو إلى الحطيم وحصل ما حصل ".
وكان عليه الصلاة والسلام نائما بين عمه وابن عمه – كما جاء عند البخاري – كان نائما بين حمزة بن عبد المطلب وهو عمه ، وبين جعفر بن أبي طالب ، وهو ابن عمه .
فأتاه الملك وكان قبل ذلك قد انفرج سقف البيت
سقف البيت انفرج ، والعلماء لا يدعون ولا يذرون من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا كلمة ولا حرفا ولا جملة حتى يقفوا عندها .
وإنني في مثل هذا المقام أعجب من ثلاثة ، ما رأيت مثل ثلاثة ، والخير في العلماء كلهم
ما رأيت مثل ثلاثة من العلماء ، أعجب لهؤلاء :
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
من يقرأ له يدرك عظمة القرآن ، وعظمة السنة فإنه إذا تحدث رحمه الله عن آية تجد الفهم الواضح الصريح بمراد الله عز وجل .
تجد عقلية هذا الرجل إذا تحدث في الرد على أهل البدع وأهل الفرق تجد عقلية بارزة .
إذا قرأت عن هذا الشخص ، وقرأت كلامه تعلق قلبك بكلام الله وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الثاني ابن حجر رحمه الله في الفتح :
هذا الرجل قام بشرح صحيح البخاري ، حتى قال بعض العلماء : إن شرح صحيح البخار ي؛ لأنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل
يقولون : شرحه دين على الأمة ما قضاه إلا ابن حجر
ولذا يقول بعض العلماء : " لا هجرة بعد الفتح "
هذا الكتاب عظيم ، جمع فيه المؤلف ؛ لأنه من المتأخرين جمع فيه من أقوال العلماء المتقدمين حتى لينقل عن ابن تيمية ، وينقل عن ابن القيم ، وينقل عن النووي ، وعمن تقدم من العلماء
إذا رأيت إلى هذه المقولات عجبت منها .
أضف إلى ذلك أن هذا الرجل يذكر روايات متعددة تفهمك مراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الرواية التي ذكرها البخاري رحمه الله .
إضافة إلى التعليقات الجميلة التي يأتي بها في كتابه .
ما رأيت من المعاصرين مثل الألباني رحمه الله في جمع الآثار والأحاديث
رجل لابد أن تعرف الأمة له قدره ـــــــــــ لم ؟
لأنه قرَّب السنة للأمة في هذا العصر
ولذا تجد أن هذا الرجل إذا تحدث عن الحديث أتى به وبرواياته ، وبمتابعاته وبشواهده ينبئك عن ذلك الوقت الذي قضاه رحمه الله من أجل ان يقرب السنة لهذه الأمة في هذا العصر
فرحمة الله على علماء المسلمين عامة.
الشاهد من ذلك :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم انفرج سقف بيته ــــ لم ؟
قال العلماء إشارة إلى أنه سيعرج به إلى العلو، وإشارة إلى أنه سيُشق صدره ، لأن الصدر هو الأعلى ، إشارة إلى أنه سيشق صدره ثم يلتئم
لأن البيت سقفه انفرج ثم عاد مرة أخرى ، فهذا فيه إشارة إلى أن صدر النبي عليه الصلاة والسلام سيُشق ثم يعاد مرة أخرى .
فجاء حبريل عليه السلام بـــ " طست من ذهب "
لماذا الذهب ؟
لماذا لم يكن هذا الإناء فضة أو نحاسا أو حديدا ؟
قال بعض العلماء : لأن الذهب إشارة – من مدلول كلمته - إشارة إلى ما سيذهبه الله عز وجل من الرجز الذي يكون في قلب النبي عليه الصلاة والسلام .
وقال بعض العلماء : إشارة إلى أنه سيذهب من مكة إلى بيت المقدس
وقال بعض العلماء : إشارة إلى نضارته ولمعانه فيحصل في قلب النبي عليه الصلاة والسلام نضارة ، أي والله .
أما استخدام الذهب :
فإما أن يكون استخدامه قبل تحريمه ، وهذا محتمل ، وهو احتمال كبير.
وإما أنه من فعل جبريل وهذا من الأمور الغيبية التي لا دخل لعقل الإنسان بها، فما عليه إلا التسليم والانقياد
فقام جبريل الذي أحضر هذا الطست من الذهب ، وقد مُلئ بالإيمان والحكمة ، قام فشقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم من صدره من النحر إلى أسفل البطن ، فغسله بماء زمزم ، ثم أتى بالإيمان والحكمة فأفرغهما في صدره عليه الصلاة والسلام ، ثم أعاده
ولذا يقول أنس رضي الله عنه – كما عند مسلم - : " كنتُ أرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم "
يقول ابن حجر رحمه الله : " وقع شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات :
المرة الأولى : يوم أن كان طفلا ، كان مسترضعا في بني سعد ، وقد ذكرت ذلك – كما جاء في صحيح مسلم لما كان غلاما ، وأخرج منه علقة ، وقال : " هذه حظ الشيطان منك "
ثم يقول ابن حجر رحمه الله : ووقع مرة ثانية لما أراد الله عز وجل أن يختاره لنبوته في سن الأربعين لكي يتلقى الرسالة بقلب كامل التطهير.
ثم وقع مرة ثالثة في " حادثة الإسراء والمعراج " من باب زيادة التطهير ؛ لأنه سيناجي الله عز وجل .
يقول بعض العلماء : هذا من خوارق العادات ؛ لأن مثل شق القلب ، وإخراج القلب منه ثم تنظيفه لا يحصل معه حياة ، لكن لما حصل هذا ، كان هذا من باب خوارق العادات .
ولو قال قائل :ألا يقدر الله عز وجل أن يملأ قلب النبي عليه الصلاة والسلام إيمانا وحكمة من غير أن يشق صدره عليه الصلاة والسلام ؟
الجواب :
بلى ، قادر عز وجل ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
لكن لماذا شُق صدره عليه الصلاة والسلام ؟
من أجل أن يقوى إيمانه ،وان يطمئن ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما يرى أن بطنه قد شُق ثم أُخرج قلبه زاده ذلك إيمانا وطمأنينة فأمن من المخاوف التي ربما تحصل له في مثل هذه الحادثة .
ولذا لما عُرج به إلى السماء كان ثابت القلب عليه الصلاة والسلام فزكَّاه ربه : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }
وشق الصدر ، يقول ابن حجر رحمه الله : " قد شاركه الأنبياء في مثل هذا" وعزى هذا الأثر إلى معجم الطبراني وسكت عنه .
ومعلوم أن ابن حجر قاعدته في الفتح : أنه إذا سكت – كما نص على ذلك في مقدمته – أنه إذا نص على ذكر الحديث من غير أن يصححه فإنه مقبول عنده .
فبدأ الإسراء والمعراج :
والإسراء بالليل ؛ لأن كلمة الإسراء تدل على ذلك.
يقول أهل اللغة : الإسراء هو : المشي أول الليل
وقال بعض أهل اللغة : هو المشي كل الليل .
ومما يدل على أنه بالليل قوله عز وجل لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى))
لماذا بالليل ؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان غالب أسفاره بالليل ــــــــ لم ؟
لكي يوافق عليه الصلاة والسلام فعله قوله ، فإنه عليه الصلاة والسلام حضَّ المسافرين على أن يسافروا بالليل ــ لم ؟
لم السفر بالليل دون النهار ؟
جاء في سنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام : (( عليكم بالدلجة – وهو السير في الليل – عليكم بالدلجة فإن الأرض تُطوى بليل ))
فأُتي عليه الصلاة والسلام بالبراق : وهو دون البغل ، وفوق الحمار أبيض
لماذا البُراق ؟
قيل : لبريقه
وقيل : لسرعته .
ولماذا البراق ؟
لماذا لم يكن حمارا ؟
لماذا لم يكن خيلا ؟؟
لماذا لم يكن إبلا ؟
قال العلماء : لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حالة سلم لا في حالة حرب .
ومعلوم أن الخيول والجمال في العادة يحارب عليها ، أما البراق فلا يحارب عليه .
ولو قال قائل :أليس الله عز وجل قادرا على أن يطوي الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم طيا من غير أن يأتي له بهذه الدابة ؟
نقول : بلى ، ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، لكن لما كان هذا المركوب قد خُلقت العادة فيه بحيث إذا مشى تصل خطوته إلى طرف بصره، أي إلى منتهى بصره
فهذا من خوارق العادات ، ومثل هذه الخارقة تزيد النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا وثباتا
ولأن الملوك في العادة إذا أرادوا أن يرسلوا أحدا إليهم ، وأرسلوا رسولا بعثوا معه مركوبا لكي يركبه ، ولله المثل الأعلى
فأتي النبي عليه الصلاة والسلام بهذا البراق ــــــــ ما الذي عليه ؟
جاء في سنن الإمام أحمد وسنن الترمذي : (( أُتي بالبراق مُسْرَجا مُلْجَما))
له لجام ، فلما ركبه النبي عليه الصلاة والسلام استصعب ( يعني أراد هذا المركوب أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم )
فقال له جبريل : ما حملك على هذا ، فوالله ما ركبك أحد أفضل منه .
فانفض هذا المركوب عرقا.
وهذا البراق قد سُخر للأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر ابن حجر آثارا ، قال : يقوي بعضها بعضا على أن هذا البراق قد سُخر للأنبياء قبل النبي عليه الصلاة والسلام
وأما ما جاء في صفة هذا البراق من أن له جناحين أو أن له خدا كخد الرجل أو أن له عرفا كعرف الفرس أو أن له قوائم كقوائم الإبل أو أن له أظلافا وذنبا كذنب البقر أو أن صدره من ياقوتة حمراء أو أنه لا يمر على شيء ميت إلا حياه فكلها أحاديث ضعيفة ،
وأضعف وأنكر منها ما ذكره القرطبي رحمه الله في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي :
ذكر عند سورة الإسراء حديثا طويلا فيه منكرات
من المنكرات الواقعة فيه : ما ذُكر انه عليه الصلاة والسلام صلى بيثرب وصلى ببيت لحم ، وصلى بسيناء
وكذلك ما ذكر من انه عليه الصلاة والسلام في طريقه تعرضت له اليهودية وتعرضت له النصرانية ، وقال له جبريل : لو وقفت لتهودت وتنصرت أمتك.
وتعرضت له الدنيا في صورة امرأة جميلة عليها من متع الدنيا .
فكل هذا ليس ثابتا عن النبي عليه الصلاة والسلام
فلما وصل جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قام – كما عند الترمذي – وخرق بأصبعه الحجر وشد البراق .
وهذا من باب التوكل على الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب
ولذا عند الترمذي لما جاء ذلك الأعرابي ومعه ناقة ، قال : يا رسول الله أأعقلها وأتوكل ، أم أطلقها وأتوكل ؟
قال : (( بل اعقلها وتوكل ))
فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في البيت المُقدَّس ، وينطق " المَقْدِس " وهو " إيلياء "
هذه أسماؤه ، نسأل الله أن يعيده إلى المسلمين عاجلا غير آجل
فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين .
وخُير عليه الصلاة والسلام بين إناءين :من خمر ومن لبن ، فعُرض عليه الإناءان فاختار عليه الصلاة والسلام اللبن ، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو اخترت
نعود إلى الحديث عن سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
تهيأ أصحابه للهجرة ، وكان قبل هجرته بسنة أو بسنة وشهرين على المشهور وقعت له حادثة ، هذه الحادثة هي حادثة الإسراء والمعراج .
تحدثت عن هذه الحادثة فيما سبق من سنوات .
ولكنني أحببت أن أعيدها مرة أخرى من أجل أن أضيف إليها بعض المعلومات ، ومن أجل أن أبين عظمة ما جرى له عليه الصلاة والسلام في هذه الحادثة .
عندنا إسراء ومعراج
الإسراء : ما وقع في الأرض ، وذلك من مكة إلى بيت المقدس
المعراج :رحلة إلى السماء ، وهي الحاصلة من بيت المقدس إلى السماء
الإسراء والمعراج من أصول أهل السنة والجماعة ، من أصول الإيمان بالله ، وبالنبي عليه الصلاة والسلام .
ولذا نصّ أبو جعفر الطحاوي في طحاويته ، ونص ابن قدامة في لمعة الاعتقاد ، وهذان كتابان يتعلقان بالعقائد
نصا رحمهما الله على أن الإيمان بحادثة الإسٍراءوالمعراج من أصول الإيمان
هذا الإسراء والمعراج – كما ذكر ابن كثير، وابن القيم وابن حجر وغيرهم من العلماء المحققين ، ذكروا أنه وقع مرة واحدة ، والدليل على ذلك :
أن الله عز وجل فرض على النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحادثة الصلاة ، ولو كانت هذه الحادثة مرارا فكيف يفرض الله عز وجل على هذه الأمة الصلاة مرات عديدة .
وحصل ذلك يقظة ، لأنه لو كان مناما لما أكبرته ولما أعظمته قريش ، ومعلوم أن النوم قد يرد فيه ما يرد
وحصل هذا بروحه وبدنه ليس بروحه فقط ، وإنما حصل بروحه وبدنه ، ويدل لذلك قول الله عز وجل : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))
وكلمة " العبد " تتضمن الروح والجسم .
وهذه الحادثة – عباد الله – ما أذكره عنها هو ما ورد في الصحيحين أو في أحدهما ، وما كان في غيرهما سأذكره إن شاء الله .
وما أذكره إما أن يكون صحيحا ، وإما أن يكون مسكوتا عليه عند بعض العلماء كابن حجر رحمه الله الذي يرى في الفتح يرى أن ما ذكره من حديث فهو مقبول عنده ،إما أن يكون صحيحا عنده ، وإما أن يكون حسنا
وذلك لأن هذه الحادثة وقعت فيها أحاديث ضعيفة و مختلقة ليست صحيحة
إذاً ما أذكره يكون صحيحا بإذن الله تعالى ، وغالبه في الصحيحين أو في أحدهما .
فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته ، وجاء في الصحيحين : " انه أتاه عند البيت "
وجاء عند مسلم : " أنه أتاه عند الحِجْر "أو " الحطيم " وكلاهما الحجر والحطيم بمعنى واحد كما قال ابن حجر رحمه الله
وجاء عند الطبراني :" أنه أتاه في بيت أم هانئ "
فيقول ابن حجر رحمه الله :" لا اختلاف بين هذه الروايات ، فإن الملك أتاه في بيت أم هانئ ، ونسب البيت إليه لكونه يسكنه عليه الصلاة والسلام ، ثم خرج به الملك من البيت وبه أثر النعاس إلى البيت ، ثم أتى به إلى الحجر أو إلى الحطيم وحصل ما حصل ".
وكان عليه الصلاة والسلام نائما بين عمه وابن عمه – كما جاء عند البخاري – كان نائما بين حمزة بن عبد المطلب وهو عمه ، وبين جعفر بن أبي طالب ، وهو ابن عمه .
فأتاه الملك وكان قبل ذلك قد انفرج سقف البيت
سقف البيت انفرج ، والعلماء لا يدعون ولا يذرون من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا كلمة ولا حرفا ولا جملة حتى يقفوا عندها .
وإنني في مثل هذا المقام أعجب من ثلاثة ، ما رأيت مثل ثلاثة ، والخير في العلماء كلهم
ما رأيت مثل ثلاثة من العلماء ، أعجب لهؤلاء :
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
من يقرأ له يدرك عظمة القرآن ، وعظمة السنة فإنه إذا تحدث رحمه الله عن آية تجد الفهم الواضح الصريح بمراد الله عز وجل .
تجد عقلية هذا الرجل إذا تحدث في الرد على أهل البدع وأهل الفرق تجد عقلية بارزة .
إذا قرأت عن هذا الشخص ، وقرأت كلامه تعلق قلبك بكلام الله وبسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الثاني ابن حجر رحمه الله في الفتح :
هذا الرجل قام بشرح صحيح البخاري ، حتى قال بعض العلماء : إن شرح صحيح البخار ي؛ لأنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل
يقولون : شرحه دين على الأمة ما قضاه إلا ابن حجر
ولذا يقول بعض العلماء : " لا هجرة بعد الفتح "
هذا الكتاب عظيم ، جمع فيه المؤلف ؛ لأنه من المتأخرين جمع فيه من أقوال العلماء المتقدمين حتى لينقل عن ابن تيمية ، وينقل عن ابن القيم ، وينقل عن النووي ، وعمن تقدم من العلماء
إذا رأيت إلى هذه المقولات عجبت منها .
أضف إلى ذلك أن هذا الرجل يذكر روايات متعددة تفهمك مراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الرواية التي ذكرها البخاري رحمه الله .
إضافة إلى التعليقات الجميلة التي يأتي بها في كتابه .
ما رأيت من المعاصرين مثل الألباني رحمه الله في جمع الآثار والأحاديث
رجل لابد أن تعرف الأمة له قدره ـــــــــــ لم ؟
لأنه قرَّب السنة للأمة في هذا العصر
ولذا تجد أن هذا الرجل إذا تحدث عن الحديث أتى به وبرواياته ، وبمتابعاته وبشواهده ينبئك عن ذلك الوقت الذي قضاه رحمه الله من أجل ان يقرب السنة لهذه الأمة في هذا العصر
فرحمة الله على علماء المسلمين عامة.
الشاهد من ذلك :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم انفرج سقف بيته ــــ لم ؟
قال العلماء إشارة إلى أنه سيعرج به إلى العلو، وإشارة إلى أنه سيُشق صدره ، لأن الصدر هو الأعلى ، إشارة إلى أنه سيشق صدره ثم يلتئم
لأن البيت سقفه انفرج ثم عاد مرة أخرى ، فهذا فيه إشارة إلى أن صدر النبي عليه الصلاة والسلام سيُشق ثم يعاد مرة أخرى .
فجاء حبريل عليه السلام بـــ " طست من ذهب "
لماذا الذهب ؟
لماذا لم يكن هذا الإناء فضة أو نحاسا أو حديدا ؟
قال بعض العلماء : لأن الذهب إشارة – من مدلول كلمته - إشارة إلى ما سيذهبه الله عز وجل من الرجز الذي يكون في قلب النبي عليه الصلاة والسلام .
وقال بعض العلماء : إشارة إلى أنه سيذهب من مكة إلى بيت المقدس
وقال بعض العلماء : إشارة إلى نضارته ولمعانه فيحصل في قلب النبي عليه الصلاة والسلام نضارة ، أي والله .
أما استخدام الذهب :
فإما أن يكون استخدامه قبل تحريمه ، وهذا محتمل ، وهو احتمال كبير.
وإما أنه من فعل جبريل وهذا من الأمور الغيبية التي لا دخل لعقل الإنسان بها، فما عليه إلا التسليم والانقياد
فقام جبريل الذي أحضر هذا الطست من الذهب ، وقد مُلئ بالإيمان والحكمة ، قام فشقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم من صدره من النحر إلى أسفل البطن ، فغسله بماء زمزم ، ثم أتى بالإيمان والحكمة فأفرغهما في صدره عليه الصلاة والسلام ، ثم أعاده
ولذا يقول أنس رضي الله عنه – كما عند مسلم - : " كنتُ أرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم "
يقول ابن حجر رحمه الله : " وقع شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات :
المرة الأولى : يوم أن كان طفلا ، كان مسترضعا في بني سعد ، وقد ذكرت ذلك – كما جاء في صحيح مسلم لما كان غلاما ، وأخرج منه علقة ، وقال : " هذه حظ الشيطان منك "
ثم يقول ابن حجر رحمه الله : ووقع مرة ثانية لما أراد الله عز وجل أن يختاره لنبوته في سن الأربعين لكي يتلقى الرسالة بقلب كامل التطهير.
ثم وقع مرة ثالثة في " حادثة الإسراء والمعراج " من باب زيادة التطهير ؛ لأنه سيناجي الله عز وجل .
يقول بعض العلماء : هذا من خوارق العادات ؛ لأن مثل شق القلب ، وإخراج القلب منه ثم تنظيفه لا يحصل معه حياة ، لكن لما حصل هذا ، كان هذا من باب خوارق العادات .
ولو قال قائل :ألا يقدر الله عز وجل أن يملأ قلب النبي عليه الصلاة والسلام إيمانا وحكمة من غير أن يشق صدره عليه الصلاة والسلام ؟
الجواب :
بلى ، قادر عز وجل ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
لكن لماذا شُق صدره عليه الصلاة والسلام ؟
من أجل أن يقوى إيمانه ،وان يطمئن ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما يرى أن بطنه قد شُق ثم أُخرج قلبه زاده ذلك إيمانا وطمأنينة فأمن من المخاوف التي ربما تحصل له في مثل هذه الحادثة .
ولذا لما عُرج به إلى السماء كان ثابت القلب عليه الصلاة والسلام فزكَّاه ربه : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }
وشق الصدر ، يقول ابن حجر رحمه الله : " قد شاركه الأنبياء في مثل هذا" وعزى هذا الأثر إلى معجم الطبراني وسكت عنه .
ومعلوم أن ابن حجر قاعدته في الفتح : أنه إذا سكت – كما نص على ذلك في مقدمته – أنه إذا نص على ذكر الحديث من غير أن يصححه فإنه مقبول عنده .
فبدأ الإسراء والمعراج :
والإسراء بالليل ؛ لأن كلمة الإسراء تدل على ذلك.
يقول أهل اللغة : الإسراء هو : المشي أول الليل
وقال بعض أهل اللغة : هو المشي كل الليل .
ومما يدل على أنه بالليل قوله عز وجل لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى))
لماذا بالليل ؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان غالب أسفاره بالليل ــــــــ لم ؟
لكي يوافق عليه الصلاة والسلام فعله قوله ، فإنه عليه الصلاة والسلام حضَّ المسافرين على أن يسافروا بالليل ــ لم ؟
لم السفر بالليل دون النهار ؟
جاء في سنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام : (( عليكم بالدلجة – وهو السير في الليل – عليكم بالدلجة فإن الأرض تُطوى بليل ))
فأُتي عليه الصلاة والسلام بالبراق : وهو دون البغل ، وفوق الحمار أبيض
لماذا البُراق ؟
قيل : لبريقه
وقيل : لسرعته .
ولماذا البراق ؟
لماذا لم يكن حمارا ؟
لماذا لم يكن خيلا ؟؟
لماذا لم يكن إبلا ؟
قال العلماء : لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حالة سلم لا في حالة حرب .
ومعلوم أن الخيول والجمال في العادة يحارب عليها ، أما البراق فلا يحارب عليه .
ولو قال قائل :أليس الله عز وجل قادرا على أن يطوي الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم طيا من غير أن يأتي له بهذه الدابة ؟
نقول : بلى ، ((إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، لكن لما كان هذا المركوب قد خُلقت العادة فيه بحيث إذا مشى تصل خطوته إلى طرف بصره، أي إلى منتهى بصره
فهذا من خوارق العادات ، ومثل هذه الخارقة تزيد النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا وثباتا
ولأن الملوك في العادة إذا أرادوا أن يرسلوا أحدا إليهم ، وأرسلوا رسولا بعثوا معه مركوبا لكي يركبه ، ولله المثل الأعلى
فأتي النبي عليه الصلاة والسلام بهذا البراق ــــــــ ما الذي عليه ؟
جاء في سنن الإمام أحمد وسنن الترمذي : (( أُتي بالبراق مُسْرَجا مُلْجَما))
له لجام ، فلما ركبه النبي عليه الصلاة والسلام استصعب ( يعني أراد هذا المركوب أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم )
فقال له جبريل : ما حملك على هذا ، فوالله ما ركبك أحد أفضل منه .
فانفض هذا المركوب عرقا.
وهذا البراق قد سُخر للأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر ابن حجر آثارا ، قال : يقوي بعضها بعضا على أن هذا البراق قد سُخر للأنبياء قبل النبي عليه الصلاة والسلام
وأما ما جاء في صفة هذا البراق من أن له جناحين أو أن له خدا كخد الرجل أو أن له عرفا كعرف الفرس أو أن له قوائم كقوائم الإبل أو أن له أظلافا وذنبا كذنب البقر أو أن صدره من ياقوتة حمراء أو أنه لا يمر على شيء ميت إلا حياه فكلها أحاديث ضعيفة ،
وأضعف وأنكر منها ما ذكره القرطبي رحمه الله في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي :
ذكر عند سورة الإسراء حديثا طويلا فيه منكرات
من المنكرات الواقعة فيه : ما ذُكر انه عليه الصلاة والسلام صلى بيثرب وصلى ببيت لحم ، وصلى بسيناء
وكذلك ما ذكر من انه عليه الصلاة والسلام في طريقه تعرضت له اليهودية وتعرضت له النصرانية ، وقال له جبريل : لو وقفت لتهودت وتنصرت أمتك.
وتعرضت له الدنيا في صورة امرأة جميلة عليها من متع الدنيا .
فكل هذا ليس ثابتا عن النبي عليه الصلاة والسلام
فلما وصل جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قام – كما عند الترمذي – وخرق بأصبعه الحجر وشد البراق .
وهذا من باب التوكل على الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب
ولذا عند الترمذي لما جاء ذلك الأعرابي ومعه ناقة ، قال : يا رسول الله أأعقلها وأتوكل ، أم أطلقها وأتوكل ؟
قال : (( بل اعقلها وتوكل ))
فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في البيت المُقدَّس ، وينطق " المَقْدِس " وهو " إيلياء "
هذه أسماؤه ، نسأل الله أن يعيده إلى المسلمين عاجلا غير آجل
فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين .
وخُير عليه الصلاة والسلام بين إناءين :من خمر ومن لبن ، فعُرض عليه الإناءان فاختار عليه الصلاة والسلام اللبن ، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو اخترت