بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة الكرام, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
وأصح الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم .
أيها الأخوة, الله سبحانه وتعالى في سورة العصر حينما قال:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[سورة العصر الآية: 1-3]
كلمة وتواصوا بالحق: أن تؤمن بالله، وأن تعمل صالحاً لا يكفي، لأنك إن آمنت بالله وعملت صالحاً فالباطل ينمو، فإذا نما الباطل حاصر الإيمان، فلا بد أن ينمو الإيمان نمواً يكون معه قوياً، إذاً: التواصي بالحق ركن أساسي من أركان الدين:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[سورة العصر الآية: 3]
لكن التواصي بالحق يحتاج إلى مؤهلات، من أبسط هذه المؤهلات: أن تكون أنت مثلاً أعلى، بمكانك أن تتحرك وأنت ثابت .
إذا كنت مثلاً أعلى الناس ينظرون, يراقبون, يلاحظون, يتأملون، فمن أوسع أنواع التواصي بالحق: أن تطبق الإسلام، أن تقيمه في بيتك، وأن تقيمه في عملك .
أما علاقة هذا الحديث بالآية الكريمة: فهو أن الإنسان يُسأل عما استرعاه الله بالدرجة الأولى، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين استرعاك الله عليهم، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين ولاك الله عليهم، أنت مسؤول عن زوجتك, وعن بناتك, وعن أولادك, الذين جعلهم الله تحت إمرتك، وجعلك قيماً عليهم، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة ضمن الأصول, عليه أن يعتني بمن أوكلهم الله إليه، فالحديث يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
يمكن أن نستخدم مثلا لتوضيح الفكرة: الإنسان كلما ارتفع في الجو, اتسعت دائرة رؤيته، بل إن رواد الفضاء الذين تخطوا جاذبية الأرض، وساروا باتجاه القمر, رأوا الأرض كلها بقاراتها وببحارها .
أنت إذا وقفت في الشارع, لا ترى إلا بضع بنايات، أما إذا صعدت إلى جبل قاسيون ترى دمشق بأكملها، أما إذا ركبت الطائرة، وارتفعت أربعين ألف قدم, ترى ما مسافته مئتا كيلو متر تقريباً، فكلما ارتفعت في الجو كلما اتسعت رقعة رؤيتك، هذا المثل ينطبق تماماً: على أن الإنسان كلما أعطي ميزة اتسعت دائرة مسؤوليته .
معلم في صف محاسب عن طلاب هذا الصف، ثلاثين طالبًا، لكن مدير المدرسة محاسب عن سبعمئة طالب، فكلما كانت ولاية الإنسان أوسع، وأوكل الله سبحانه وتعالى إليه أناسًا أكثر, كانت مسؤوليته أوسع، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة، وحتى لا يهمل ما أوكله الله بهم, ويتحرك حركة غير صحيحة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
هذا الحديث أصل في تحمل المسؤولية التي سوف يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة.
كنت أقول هذه الكلمة: زيد من الناس أنت له وغيرك له، لكن ابنك الذي هو في بيتك من له غيرك؟ من غيرك يربيه؟ من غيرك يدله على الله؟ من غيرك يعنى بصحته؟ من غيرك يعنى بدراسته؟ من غيرك يعنى بأخلاقه؟ من غيرك يعنى بمستقبله؟ من غيرك يعنى بتزويجه؟ فأنت مسؤول عن هذا الذي أوكله الله إليك، وجعلك قيماً عليه، جعلك أباً له، أو زوجاً لهذه المرأة، أو أخاً كبيراً لهؤلاء الأخوة وهكذا .
بالمناسبة: لكن هذه المسؤولية يفهمها بعض الناس على أنها مسؤولية مادية، فالأب يتوهم أنه بمجرد أن يجلب لأولاده طعاماً وشراباً، وأن يؤمن لهم كساء في الشتاء ووقوداً, وما يحتاجون من حاجات مادية، فقد أدى الذي عليه .
والحقيقة: أن المهمة الأكبر والأخطر، والتي سوف يكون السؤال عنها أشد هي: مسؤولية الأب عن دين أولاده, وعن أخلاقهم, وعن مستقبلهم الأخروي، لأنه ورد في الأثر: أن الابن إذا لم يعتن أبوه بدينه واستوجب النار، يقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدخِل أبي قبلي .
فالآباء الذين يعتنون بأبنائهم من حيث: طعامهم, وشرابهم, وكسائهم, وحاجاتهم المادية، ولا يلقون بالاً لدينهم, وأخلاقهم, وصلاتهم, ومستقبلهم الأخروي, ومصيرهم إلى الجنة أو إلى النار، هؤلاء الآباء قدموا شيئاً زائلاً, ينتهي بانتهاء الحياة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
الرعاية لا تتجزأ، الرعاية وحدة متكاملة، كما أنك ترعى صحته, عليك أن ترعى دينه، كما أنك ترعى حاجاته المادية, عليك أن ترعى حاجاته الروحية، كما أنك ترعى في ابنك ارتباطه في البيت, يجب أن ترعى ارتباطه بالله عز وجل .
حقيقة أذكرها لكم مستنبطة من آية كريمة، ولها علاقة وطيدة بهذا الموضوع، لا تقتضي الرعاية العنف ولا القسوة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف))
[أخرجه الحارث في مسنده عن أبي هريرة]
لأن المعلم خير من المعنّف، وأحاديث كثيرة تتحدث عن الرفق .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود في سننه عن عائشة]
والله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فكلما نما الإيمان في قلب الإنسان ازداد رفقاً بمن حوله، ازداد لطفاً بمن حوله، أحياناً يقرأ الإنسان الآية, ولا ينتبه إلى خطورة معانيها، حينما قال الله عز وجل:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 159]
يخاطب الله من؟ يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، من النبي عليه الصلاة والسلام ؟ نبي هذه الأمة، رسول هذه الأمة، سيد الأنبياء، سيد المرسلين، المعصوم الموحى إليه, هو الذي يقع في قمة البشر، إذا كان البشر هرماً فهو في القمة، ومع كل هذه الميزات والخصائص، ومع كل هذا النبي نفسه, سيد الأنبياء, سيد المرسلين, الموحى إليه, صانع المعجزات, المعصوم, سيد ولد آدم، الذي أسري به, وعرج به إلى السماء، هو نفسه لو كان فظاً غليظ القلب, لانفض الناس من حوله .
فإذا كنت مؤمناً ليست لك هذه الميزات، ولا تلك الخصائص، ولا هذا التفوق، مؤمن عادي، فإذا كنت فظاً غليظ القلب, فأن ينفض الناس من حولك من باب أولى، إذاً: أنت لا تستطيع أن تصل إلى قلوب الناس إلا بالكمال .
وكنت أقول لكم سابقاً: الأقوياء يملكون القوالب، لكن الأنبياء ملكوا القلوب، وشتان بين أن تملك قالباً وبين أن تملك قلباً، الأنبياء ملكوا القلوب، لكن الأقوياء ملكوا القوالب، فمن أجل أن تكون مسؤولاً عن رعيتك التي هي أسرتك, ينبغي أن تكون محسناً، ينبغي أن تكون كاملاً، ينبغي أن تكون رحيماً، ينبغي أن تكون منصفاً، أن تكون مضحياً، أن تؤثر مصالح من حولك على مصلحتك .
أيها الأخوة, أجد نفسي مدفوعاً إلى توضيح حقائق, نحن في أمس الحاجة إليها: الإنسان ينبغي أن يعرف حده، وينبغي أن يقف عنده، فهذه الأسرة التي جعلني الله سيدها أو رأسها أو قيمها أو رجلها، هي الأسرة التي أوكلني الله إياها، وسوف يسألني عنها، فإذا اعتنى الرجل بأسرته، والمجتمع مجموعة أسر، إذا اعتنى كل إنسان بأولاده، بأخلاقهم، ودينهم، وصلواتهم، ومستقبلهم، وعلمهم، وصحتهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وإذا اعتنى كل أب ببناته، بصلاتهن، واستقامتهن، وبحشمتهن، بتربيتهن، فإذا اعتنى الأب ببناته وأولاده, وساعدته الأم على ذلك, صلحت هذه الأسرة، فإذا صلحت كل الأسر جنباً إلى جنب، صلح المجتمع، فهذا الذي يدعو إليه النبي عليه الصلاة والسلام، لا حاجة لأن يكون للإنسان طموحات عريضة جداً, واسعة جداً، تكفيه أسرته إذا اعتنى بها .
وكنت أقول لكم دائماً: إن الأبوّة الكاملة يمكن أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، إن الأمومة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، وإن البنوّة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، والأحاديث على هذا كثيرة جداً .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ, فَقَالَ: أَلَكَ وَالِدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ))
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
((أَنَّ رَجُلا مِنَ الْيَمَنِ هاجر إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: أَذِنَا لَكَ, قَالَ: لا، قَالَ: فارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلا فَبِرَّهُمَ))
[أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري]
والإنسان أيها الأخوة, إن لم يكن ذا خير عميم لأقرب الناس إليه, فلن يكون خيره لأبعد الناس، لأن في الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))
[أخرجه الترمذي في سننه عن عائشة]
وهناك مثل كنت أستخدمه كثيراً: إن فحص قيادة السيارة, يفحص الطالب في أصعب أعمال في القيادة، يفحص بأن يعود بالمركبة القهقرى، في طريق ملتو، وإشارات خفيفة، حيث لو تجاوز واحدة, وقع فكشف أمره، لماذا إذا أتقن العودة بالمركبة القهقرى بطريق ملتو, ضيق, محصور بعلامات خفيفة، ونجح في هذا؟ هنا فقط أصبح كل شيء سهلا عليه .
والنبي عليه الصلاة والسلام جعل مقياس فضل الإنسان لا انضباطه الخارجي، ولكن انضباطه في بيته، جعل المقياس للانضباط الداخلي، لأن داخل البيت لا يوجد رقابة، ولا يخشى الإنسان على سمعته, وهو في بيته، ولا يخشى وهو في بيته, أن يتحدث الناس عنه بما لا يرضى، وهو في البيت عليه أن يكون كاملاً, حتى يتحقق هذا الحديث الشريف:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
بالمناسبة: لا تعتقد أبداً أنه يمكن أن تعفى من مسؤوليتك تجاه أولادك وزوجتك أمام الله عز وجل, لو قلت: إن المجتمع فاسد، لو قلت: هناك بلوى عامة، لو قلت: المجتمع أصبح في فساد عريض، هذا الكلام لا يعفيك من المسؤولية، لو قلت: المدارس لا يوجد فيها توجيه صحيح مثلاً، يوجد فساد عام، هذه الكلمات كلها لا تعفيك, من أن الله سبحانه وتعالى سيسألك عن أولادك يوم القيامة، وإن كان تربية الأولاد في زمن الفساد أصعب منه في زمن الصلاح ، هذا شيء ثابت، لكن الأجر على قدر المشقة .
أردت من هذا الحديث: أننا عندما نقيم الإسلام في بيوتنا، ولدينا دائرة أخرى, أذكرها لكم دائماً: أعمالنا إذا أقمنا أمر الله عز وجل في بيوتنا, وفي أعمالنا، هنا تنتهي مسؤوليتنا، هذا الذي في قدرتنا, هذا الذي أوكله الله إلينا، هذا الذي سيحاسبنا الله عنه، هذا الذي نحن قادرون على أن نصلحه، عندئذٍ ننتظر من الله عز وجل العلي القدير, أن يغير هو الشيء الذي لا نستطيعه، لو أن السماء شحت في الأمطار، هل نستطيع إنزال الأمطار؟ لا, هذه فوق طاقتنا، فالحركة منطقية جداً, قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
[سورة الرعد الآية: 11]
إذاً:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ))
هل يوجد إنسان ممكن ألاّ يكون مسؤولا إلا بحالات نادرة؟ إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب، إذا سلب من إنسان عقله سقطت عنه المسؤولية، أما إذا أُودِع في الإنسان عقلٌ، لو كان الابن أمينًا على مال أبيه، هناك أولاد يتلفون أموال آبائهم .
أبسط مثل: حينما تستهلك الكهرباء استهلاكا غير منطقي, فالابن لا يشعر بالمسؤولية ، لا يشعر أن هذه طاقة, يجب أن يستهلكها استهلاكاً مع حكمة، فإذا أسرف في استهلاك هذه الطاقة، وجعل أباه يدفع مبلغًا فوق طاقته, فقد خان الأمانة، هذا الطفل الذي في البيت، فالابن مسؤول, والزوجة مسؤولة:
((أيما امرأة قعدت على بيت أولادها, فهي معي في الجنة))
لا يجب على الإنسان أن يهمل ما أوكله الله به، ويتطلع إلى آفاق هو معفى منها، المرأة أوكلها الله ببيت زوجها وبأولادها، وبتأمين حاجاتهم وطعامهم وشرابهم، وتهيئة البيت المريح لهم، وتهيئة الحاجات النظيفة لهم .
الله سبحانه وتعالى أوكل هذا إلى المرأة، فإذا قصّرت في واجبها, وتطلعت إلى عمل آخر، هذا يوقعها في التناقض، لأن درءَ المفاسد مقدم على جلب المنافع .
هذه الأفكار وإن بدت بسيطة, هي خطيرة جداً، لأن الإنسان إذا سعد في بيته أنتج في عمله، حينما تهيئ الزوجة لزوجها جواً مريحاً، وعلاقات طيبة، وحاجات موفورة, وبيتاً منظماً, هذا يدعو الزوج إلى أن يضاعف إنتاجه خارج البيت، وهذا الذي يقولونه دائماً: إن كل إنسان ناجح وراءه زوجة مخلصة، هذا كلام جزء منه صحيح، إلى حد ما مقبول .
2-والرجل راع......عن رعيته :
((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ, وَهُوَ مَسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ))
طبعاً: كلمة الأهل هنا لا تعني الزوجة فقط، تعني الوالدين إذا كانا عند الابن، وربنا عز وجل قال:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾
[سورة الإسراء الآية: 23]
يكون الابن في أحد أطوار حياته عند أبيه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً، لكن في طور آخر: يكون الأب عند ابنه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً، فإذا أصبح الأب عندك، وأنت عنه مسؤول، فهذا من أهلك وحاسب عنه .
فالوالدان, والأولاد, والزوجة، أولاً ينبغي أن ينفق عليهم، وما من مرض أشد في إفساد ذات البين من الشح, وربنا عز وجل قال:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
فأولاً ينبغي أن تنفق عليهم، وثانياً ينبغي أن تعلمهم أمر الدين، أن تنفق عليهم حتى يشعروا بالامتنان, لأن الله سبحانه وتعالى في بعض الأحاديث القدسية يقول:
((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم, فإن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))
فالابن إذا رأى أن أباه يغدق عليه من الحاجات التي هي في أمس الحاجة إليها, يميل قلبه، عندئذٍ يأتي تعليم الدين، إذاً: الإنفاق عليهم, وتعليمهم أمر دينهم, وترغيبهم في الخير .
هناك آباء يدرب أولاده في سن مبكر على الإنفاق على معاونة الضعيف, على إكرام اليتيم, على الإحسان, على التصدق, على بر الوالدين, على صلة الأرحام، فكلما كان الأب أكثر قرباً من الله عز وجل .
هناك آباء تجار يصطحبون معهم أولادهم في سفر التجارة، يقول لك: حتى أعلمه السفر، ونزول الفنادق، واللقاء مع مدير شركات، فإذا كان طموح الأب, أن يكون ابنه تاجراً كبيراً منذ نعومة أظفاره, يعلمه على بعض أساليب التجارة, وبعض خبراتها، أما الأب المؤمن, فعليه أن يعلم ابنه منذ نعومة أظفاره, على حفظ كتاب الله، وعلى التأدب بآداب الإسلام، وعلى حب النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى طلب العلم، وعلى الأنس بأهل الله عز وجل, وعليه أن يحذرهم, أحياناً يسلك الآباء سلوك المنع .
أنا أرى أن التحصين الداخلي للابن أنجع من المنع الخارجي، الكبت ربما انتهى إلى انفجار، المنع الخارجي ربما أغرى الابن بالانحراف، أما إذا حصنته من الداخل بالعلم, بالإقناع, بالتعليم, بأن يعيش في بيئة راقية, هذا أرقى بكثير من أن تكون قامعاً له، القمع قد يؤدي إلى انحراف خطير، لكن التحصين الداخلي بالعلم, هذا يؤدي إلى تحصين خارجي.
لذلك سيدنا علي يقول: العلم خير من المال, لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة, والعلم يزكو على الإنفاق .
الحقيقة, الآن: في الظروف الصعبة؛ ظروف المعيشة, وشراء البيوت وتأسيسها، قضايا الزواج, الآباء مسؤولون أمام الله عز وجل, عن تزويج أبنائهم, كل بقدر استطاعته, قال تعالى:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
[سورة البقرة الآية: 286]
لكن الآباء الأبطال الذين يقلقون لضياع أبنائهم، ولمصيرهم السري, فهم يحرصون على تأمين زواجهم, وتأمين استقرارهم، هذا من الأعمال الطيبة, والراقية جداً .
والشباب الآن: في أمسِّ الحاجة إلى آباء, يجعلون نصب أعينهم, تزويج أولادهم, وتأمينهم، والآية الكريمة:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
[سورة النور الآية: 32]
الأيامى جمع أيم، ومعنى الأيم: الذي لا زوجة له, ذكراً كان أو أنثى، فمعنى أنكحوا الأيامى: زوجوا الفتيات، وزوجوا الشباب، الفتاة والشاب بحاجة إلى الزواج، الشاب بحاجة إلى زواج بتيسير وسائل الزواج؛ المسكن ولو كان متواضعًا, ولو كان بمكان بعيدًا، ولو كان غرفة واحدة, تيسير المسكن, وتيسير الحاجات الأساسية، وتزويج الفتاة يكون بالتساهل مع الخاطب المؤمن, قال تعالى:
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
[سورة القصص الآية: 27]
فالآباء إذا لم يشقوا على خاطبي فتياتهم، والأبناء إذا توافرت لهم سبل الزواج، نكون قد طبقنا هذه الآية:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
[سورة النور الآية: 32]
من حقوق الأهل على الأب: أن يطعمهم مما يأكل، وأن يلبسهم مما يلبس، وأن يحسن أسماءهم، وعليه حق الدين أن يختار لهم الأم الصالحة .
أول حق للأولاد على أبيهم: أن يحسن اختيار أمهم, لأن علاقة الأولاد بأمهم, أشد بعشرات المرات من علاقتهم بأبيهم .
الآن: لدينا حالة نجدها في المجتمع، هناك آباء كثيرون يردون خطاب بناتهم؛ إما بداعي احتقارهم لفقر الخطاب، أو انتظاراً للخاطب الغني، أو رغبة في الحسب أو النسب، إلى أن يعضلها فتبقى عانساً, لذلك قال تعالى:
﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾
[سورة النور الآية: 33]
والآية دقيقة جداً: فالأب الذي يعضل بناته, يضع العقبات تلو العقبات أمام خطابها, ينتظر الغني، ينتظر صاحب الحسب والنسب، ينتظر الشاب الذي لا يتوافر مثله إلا في المئة ألف، هذا الأب قد ينتهي به المطاف إلى أن يلقي ابنته بلا زوج, وعندئذٍ يكون قد قوّى فيها دافع الشهوة، فإذا زلت قدمها, ففي رقبة الأب، لأنه هو السبب .
قرأت قبل أيام مقالة كتبتها كاتبة, تقول ملخصه: خذوا كل شهاداتي, وأعطوني زوجاً ، لأن حاجة الأمومة التي أودعها الله في قلب الأنثى, تفوق أية حاجة, حاجة الأمومة، فالمرأة لا شيء يملأ فراغها كابن تربيه، أو فتاة تربيها، فالآباء عليهم أن ينتبهوا كثيراً .
هناك آباء مسافرون, مقيمون في بلاد أجنبية، لا أحد يخطب فتياتهم, هؤلاء إذا بقوا هناك, فالانحراف متوقع من الفتيات، أو أن تبقى الفتاة بلا زوج أيضاً, هذا شيء متوقع.
أعرف أشخاصاً كثيرين, وهم في أوج نجاحهم في بلاد الغرب, جمعوا أمتعتهم، وعادوا إلى بلدهم، ضماناً لمستقبل فتياتهم .
فالإنسان يعيش ليؤدي رسالة، وأولاده وبناته أحد أكبر بنود هذه الرسالة .
3-والمرأة راعية.......عن رعيتها :
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))
نساء الصحابة رضوان الله عليهم كنا يخدمن أزواجهن، ويربين أولادهن، ويدبرن منازلهن، بل ويساعدن أزواجهن في أعمالهم، فهذا فضل كبير تكسبه المرأة إذا كانت مضحية معطاءة .
فلذلك كانت تقول الصحابية الجليلة لزوجها قبل أن يخرج من بيته:
((يا فلان نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام))
فالمرأة التي لا تحمل زوجها فوق طاقته, تتلطف بطلباتها، مؤونتها قليلة، طلباتها يسيرة، لا تحرج زوجها، لا تدفعه إلى أن يكسب مالاً حراماً، لا تدفعه إلى أن يكون ابناً شقياً بعيداً عن أهله، المرأة الصالحة المؤمنة هي التي تقل طلباتها، ويعظم خيرها، لذلك إذا أدت المرأة ما عليها دخلت جنة ربها .
والمرأة كما تعلمون أيها الأخوة, ليس بينها وبين الجنة كما قيل إلا الموت، فالمرأة الصالحة ليس بينها وبين الجنة إلا أن تموت، فإذا ماتت فهي في الجنة، لأنها صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها، فدخلت جنة ربها .
والمرأة على دين خليلها، بالمناسبة: طبيعة المرأة طبيعة انقيادية منفعلة، ولولا هذه الطبيعة, لما رأيت زوجين تحت سقف واحد, لولا أن المرأة من طبيعتها, أنها انفعالية انقيادية ، تفتخر أن يقودها زوجها، وأن يحميها زوجها، لولا أنها بهذه الطبيعة, لما رأيت زوجين تحت سقف واحد، الرجل قيادي المرأة, تميل إلى أن تكون منقادة بزوجها, وهذه من نعم الله الكبرى، فهذه المرأة التي تترك القيادة لزوجها, هذه إذا أطاعت ربها, حينما تطيع زوجها, دخلت جنة ربها, لذلك الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
هذه آية أصل، القرآن الكريم دقيق جداً، فالإنسان أحياناً يقرأ، يقول الله لك:
﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
أنت مسؤول عن أهلك, قال تعالى:
﴿نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((المرأة على دين خليلها))
هكذا المرأة من طبيعتها الانفعال, بمعنى: أنها تابعة وليست متبوعة .
((وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))
تسره إذا حضر بمظهرها، وتحفظه إذا غاب في نفسها وماله وولده، ومن حفظت نفسها، وبرت زوجها، وأدت حق ربها, لن يكن بينها وبين الجنة إلا الموت، أي أصبحت على أبواب الجنة .
لكن لئلا يظن الزوج أن له كل شيء، وأنه ليس لها شيء، قال تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[سورة البقرة الآية: 228]
لا يوجد إنسان يسعد في حياته الزوجية إلا إذا كان واقعيًا، وكان منطقيًا، كما أنه يحب أمه، كذلك هي تحب أمها، فإذا أردت أن تكون بارة لأمك، وأنت عاقاً لأمها, لا تستقيم حياة زوجية بهذه الطريقة, أردتها أن تكون بارة لأمك، لأنها أمك، واستخففت بأمها, فهذا موقف متناقض غير مقبول، لذلك هذا العش سرعان ما يتهدم، لأننا خالفنا طبيعة النفس البشرية، لذلك:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[سورة البقرة الآية: 228]
وربنا عز وجل يقول:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾
[سورة آل عمران الآية: 195]
أحياناً الإنسان يكون عنصريًا، يظن نفسه من طبيعة أخرى غير طبيعة المرأة، الله عز وجل يقول:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
[سورة الأعراف الآية: 189]
من طبيعة واحدة، مكلفة كما أنت مكلف، مكلفة بالإسلام كما أنت مكلف بالإسلام، مكلفة بأركان الإيمان كما أنت مكلف بأركان الإيمان، فأنت متساوٍ مع امرأتك في التكليف والتشريف، أنت مكلف كما هي مكلفة، وأنت مشرف كما هي مشرفة .
والحقيقة: حينما تكون المرأة فقيهة, تعرف واجباتها تجاه زوجها وأولادها، وتعرف واجباتها تجاه ربها، وحينما تكون فقيهة, تعرف أحكام العبادات وأحكام المعاملات، هذه تربي أسرة بأكملها، لذلك آمال كبيرة جداً معقودة على أن تكون المرأة المسلمة تعرف أمر دينها، وأمر الحياة التي تعيشها، لذلك الأولاد الذين تنجبهم امرأة تعرف الله عز وجل أولاد سعداء, لأنهم ينشؤون كما تعرفون في ظل رعايتها وعلمها .
وليس بعيداً عنكم قول المرأة التي اشتكت النبي عليه الصلاة والسلام قالت:
((إن زوجي تزوجني وأنا شابة, ذات أهل ومال, فلما كبرت سني, ونفر بطني, وتفرق أهلي, وذهب مالي، قال لي: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد, إن تركته إليه ضاعوا, وإن ضممتهم إلي جاعوا))
، هو الذي يكسب الرزق .
أحياناً الأم الجاهلة، تعلم ابنها الكذب، لأنها تكذب أمامه على زوجها، تعلمه الإهمال, أحياناً تعلمه عدم الانضباط، تخيفه وتنشئ عنده عقد نفسية من أجل أن تسكته, تخيفه بكلمات لا معنى لها، هنا يوجد غول، هنا بعبع، هنا كذا، يوجد أشياء خطيرة جداً، هذه كلها عقد ينشأ عند الطفل عقد، بدل أن تعلمه أمر الله عز وجل, وأمر التوحيد, وأمر القرآن، فلذلك يجب أن تعتني عناية بالغة بتعليم فتياتنا, لأنهن أمهات المستقبل، تعليم الدين الحقيقي: الكتاب, السنّة, الواجبات .
آلاف الأسر تنهار لا لسبب وجيه بل بجهل المرأة, لتقصير أبيها في تعليمها أمر دينها، لتقصير أبيها وأمها في تعليمها حقوق الزوج وحقوق الأولاد .
4-والخادم راع في مال سيده :
الآن:
((وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ))
تقريباً موظف، مؤسسة تجارية, فيها موظفين، الشيء المألوف الآن: أنت موظف بهذا المحل، هذا المال الذي تحت إشرافك, هذا المال أمانة في عنقك, فلذلك الخادم يُسأل عن مال سيده: هل رعاه أم ضيعه؟ أتلفه أم صانه؟ .
كثير من الأشخاص في غياب صاحب المحل لا يبيع أو يكون قاسيًا مع الزبائن، ويمكن أن يصرف عشرات الزبائن حتى لا يتعب، الحياة لا تستقيم إذا لم يكن فيها أمانة، أما إذا كان هناك إنسان مخلص لصاحب المحل, فنشاطه في حضوره وفي غيبته واحد، هذا المؤمن .
والولد أيضاً مسؤول عن مال والده، أكثر مشاكل الأسر اليوم: الولد القوي يأكل حق الصغير، الكبير يأكل حظ الصغير، والذكر يأكل حق الأنثى، أكثر الأسر تجد أن الأبناء أكثر الإرث بيدهم، والفتيات محرومات من حقهن الشرعي في مال أبيهن .
فعندما يعتدي الأخ الذكر على حقوق أخوته الإناث، أو الأخ الأكبر يعتدي على حقوق أخواته الصغار, أصبح هناك اختلال في الميزان، هذه الأسرة تنتهي بعداوات لا حد لها .
أنا مطّلع على بعض القصص التي لا تصدق, يوجد عداوات بين الأخوة, بسبب هضم الحقوق, والعدل, والسوية في توزيع الإرث، عداوات لا حصر لها، فالابن مسؤول عن مال والده الذي تركه، يجب أن يعطي كل ذي حق حقه .
ودائماً هذه الآية الكريمة: يقع الناس في حيرة فيها:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة التغابن الآية: 14]
من تفسيرات هذه الآية: عندما يعصي الإنسان الله عز وجل, بضغط من زوجته, وبضغط من أولاده، ثم يلقى الله عز وجل ليحاسب عن عمله حساباً عسيراً, يرى أن هذا الابن الذي عصى الله من أجله, انتهت علاقته به إلى عداوة، ويرى هذه الزوجة التي عصى الله من أجلها, انتهت علاقته بها إلى عداوة، فهذا أحد معاني هذه الآية .
الإنسان أحياناً يخسر الجنة من أجل أهله المارقين من الدين، هو يعمل ليلاً نهاراً, وأهله من أجل إنفاق الأموال الطائلة على المباهج, وعلى المعاصي، هو يتحمل اسم الغش, والكذب, وكسب المال الحرام, لينفق على أهله, هذا المال على أمور لا ترضي الله عز وجل ، فعلى الإنسان أن ينتبه لهذه الناحية .
هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد
أيها الأخوة الكرام, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
وأصح الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم .
أيها الأخوة, الله سبحانه وتعالى في سورة العصر حينما قال:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[سورة العصر الآية: 1-3]
كلمة وتواصوا بالحق: أن تؤمن بالله، وأن تعمل صالحاً لا يكفي، لأنك إن آمنت بالله وعملت صالحاً فالباطل ينمو، فإذا نما الباطل حاصر الإيمان، فلا بد أن ينمو الإيمان نمواً يكون معه قوياً، إذاً: التواصي بالحق ركن أساسي من أركان الدين:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[سورة العصر الآية: 3]
لكن التواصي بالحق يحتاج إلى مؤهلات، من أبسط هذه المؤهلات: أن تكون أنت مثلاً أعلى، بمكانك أن تتحرك وأنت ثابت .
إذا كنت مثلاً أعلى الناس ينظرون, يراقبون, يلاحظون, يتأملون، فمن أوسع أنواع التواصي بالحق: أن تطبق الإسلام، أن تقيمه في بيتك، وأن تقيمه في عملك .
أما علاقة هذا الحديث بالآية الكريمة: فهو أن الإنسان يُسأل عما استرعاه الله بالدرجة الأولى، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين استرعاك الله عليهم، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين ولاك الله عليهم، أنت مسؤول عن زوجتك, وعن بناتك, وعن أولادك, الذين جعلهم الله تحت إمرتك، وجعلك قيماً عليهم، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة ضمن الأصول, عليه أن يعتني بمن أوكلهم الله إليه، فالحديث يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
يمكن أن نستخدم مثلا لتوضيح الفكرة: الإنسان كلما ارتفع في الجو, اتسعت دائرة رؤيته، بل إن رواد الفضاء الذين تخطوا جاذبية الأرض، وساروا باتجاه القمر, رأوا الأرض كلها بقاراتها وببحارها .
أنت إذا وقفت في الشارع, لا ترى إلا بضع بنايات، أما إذا صعدت إلى جبل قاسيون ترى دمشق بأكملها، أما إذا ركبت الطائرة، وارتفعت أربعين ألف قدم, ترى ما مسافته مئتا كيلو متر تقريباً، فكلما ارتفعت في الجو كلما اتسعت رقعة رؤيتك، هذا المثل ينطبق تماماً: على أن الإنسان كلما أعطي ميزة اتسعت دائرة مسؤوليته .
معلم في صف محاسب عن طلاب هذا الصف، ثلاثين طالبًا، لكن مدير المدرسة محاسب عن سبعمئة طالب، فكلما كانت ولاية الإنسان أوسع، وأوكل الله سبحانه وتعالى إليه أناسًا أكثر, كانت مسؤوليته أوسع، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة، وحتى لا يهمل ما أوكله الله بهم, ويتحرك حركة غير صحيحة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
هذا الحديث أصل في تحمل المسؤولية التي سوف يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة.
كنت أقول هذه الكلمة: زيد من الناس أنت له وغيرك له، لكن ابنك الذي هو في بيتك من له غيرك؟ من غيرك يربيه؟ من غيرك يدله على الله؟ من غيرك يعنى بصحته؟ من غيرك يعنى بدراسته؟ من غيرك يعنى بأخلاقه؟ من غيرك يعنى بمستقبله؟ من غيرك يعنى بتزويجه؟ فأنت مسؤول عن هذا الذي أوكله الله إليك، وجعلك قيماً عليه، جعلك أباً له، أو زوجاً لهذه المرأة، أو أخاً كبيراً لهؤلاء الأخوة وهكذا .
بالمناسبة: لكن هذه المسؤولية يفهمها بعض الناس على أنها مسؤولية مادية، فالأب يتوهم أنه بمجرد أن يجلب لأولاده طعاماً وشراباً، وأن يؤمن لهم كساء في الشتاء ووقوداً, وما يحتاجون من حاجات مادية، فقد أدى الذي عليه .
والحقيقة: أن المهمة الأكبر والأخطر، والتي سوف يكون السؤال عنها أشد هي: مسؤولية الأب عن دين أولاده, وعن أخلاقهم, وعن مستقبلهم الأخروي، لأنه ورد في الأثر: أن الابن إذا لم يعتن أبوه بدينه واستوجب النار، يقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدخِل أبي قبلي .
فالآباء الذين يعتنون بأبنائهم من حيث: طعامهم, وشرابهم, وكسائهم, وحاجاتهم المادية، ولا يلقون بالاً لدينهم, وأخلاقهم, وصلاتهم, ومستقبلهم الأخروي, ومصيرهم إلى الجنة أو إلى النار، هؤلاء الآباء قدموا شيئاً زائلاً, ينتهي بانتهاء الحياة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
الرعاية لا تتجزأ، الرعاية وحدة متكاملة، كما أنك ترعى صحته, عليك أن ترعى دينه، كما أنك ترعى حاجاته المادية, عليك أن ترعى حاجاته الروحية، كما أنك ترعى في ابنك ارتباطه في البيت, يجب أن ترعى ارتباطه بالله عز وجل .
حقيقة أذكرها لكم مستنبطة من آية كريمة، ولها علاقة وطيدة بهذا الموضوع، لا تقتضي الرعاية العنف ولا القسوة .
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف))
[أخرجه الحارث في مسنده عن أبي هريرة]
لأن المعلم خير من المعنّف، وأحاديث كثيرة تتحدث عن الرفق .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود في سننه عن عائشة]
والله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فكلما نما الإيمان في قلب الإنسان ازداد رفقاً بمن حوله، ازداد لطفاً بمن حوله، أحياناً يقرأ الإنسان الآية, ولا ينتبه إلى خطورة معانيها، حينما قال الله عز وجل:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
[سورة آل عمران الآية: 159]
يخاطب الله من؟ يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، من النبي عليه الصلاة والسلام ؟ نبي هذه الأمة، رسول هذه الأمة، سيد الأنبياء، سيد المرسلين، المعصوم الموحى إليه, هو الذي يقع في قمة البشر، إذا كان البشر هرماً فهو في القمة، ومع كل هذه الميزات والخصائص، ومع كل هذا النبي نفسه, سيد الأنبياء, سيد المرسلين, الموحى إليه, صانع المعجزات, المعصوم, سيد ولد آدم، الذي أسري به, وعرج به إلى السماء، هو نفسه لو كان فظاً غليظ القلب, لانفض الناس من حوله .
فإذا كنت مؤمناً ليست لك هذه الميزات، ولا تلك الخصائص، ولا هذا التفوق، مؤمن عادي، فإذا كنت فظاً غليظ القلب, فأن ينفض الناس من حولك من باب أولى، إذاً: أنت لا تستطيع أن تصل إلى قلوب الناس إلا بالكمال .
وكنت أقول لكم سابقاً: الأقوياء يملكون القوالب، لكن الأنبياء ملكوا القلوب، وشتان بين أن تملك قالباً وبين أن تملك قلباً، الأنبياء ملكوا القلوب، لكن الأقوياء ملكوا القوالب، فمن أجل أن تكون مسؤولاً عن رعيتك التي هي أسرتك, ينبغي أن تكون محسناً، ينبغي أن تكون كاملاً، ينبغي أن تكون رحيماً، ينبغي أن تكون منصفاً، أن تكون مضحياً، أن تؤثر مصالح من حولك على مصلحتك .
أيها الأخوة, أجد نفسي مدفوعاً إلى توضيح حقائق, نحن في أمس الحاجة إليها: الإنسان ينبغي أن يعرف حده، وينبغي أن يقف عنده، فهذه الأسرة التي جعلني الله سيدها أو رأسها أو قيمها أو رجلها، هي الأسرة التي أوكلني الله إياها، وسوف يسألني عنها، فإذا اعتنى الرجل بأسرته، والمجتمع مجموعة أسر، إذا اعتنى كل إنسان بأولاده، بأخلاقهم، ودينهم، وصلواتهم، ومستقبلهم، وعلمهم، وصحتهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وإذا اعتنى كل أب ببناته، بصلاتهن، واستقامتهن، وبحشمتهن، بتربيتهن، فإذا اعتنى الأب ببناته وأولاده, وساعدته الأم على ذلك, صلحت هذه الأسرة، فإذا صلحت كل الأسر جنباً إلى جنب، صلح المجتمع، فهذا الذي يدعو إليه النبي عليه الصلاة والسلام، لا حاجة لأن يكون للإنسان طموحات عريضة جداً, واسعة جداً، تكفيه أسرته إذا اعتنى بها .
وكنت أقول لكم دائماً: إن الأبوّة الكاملة يمكن أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، إن الأمومة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، وإن البنوّة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة، والأحاديث على هذا كثيرة جداً .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ, فَقَالَ: أَلَكَ وَالِدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ))
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
((أَنَّ رَجُلا مِنَ الْيَمَنِ هاجر إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: أَذِنَا لَكَ, قَالَ: لا، قَالَ: فارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلا فَبِرَّهُمَ))
[أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري]
والإنسان أيها الأخوة, إن لم يكن ذا خير عميم لأقرب الناس إليه, فلن يكون خيره لأبعد الناس، لأن في الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))
[أخرجه الترمذي في سننه عن عائشة]
وهناك مثل كنت أستخدمه كثيراً: إن فحص قيادة السيارة, يفحص الطالب في أصعب أعمال في القيادة، يفحص بأن يعود بالمركبة القهقرى، في طريق ملتو، وإشارات خفيفة، حيث لو تجاوز واحدة, وقع فكشف أمره، لماذا إذا أتقن العودة بالمركبة القهقرى بطريق ملتو, ضيق, محصور بعلامات خفيفة، ونجح في هذا؟ هنا فقط أصبح كل شيء سهلا عليه .
والنبي عليه الصلاة والسلام جعل مقياس فضل الإنسان لا انضباطه الخارجي، ولكن انضباطه في بيته، جعل المقياس للانضباط الداخلي، لأن داخل البيت لا يوجد رقابة، ولا يخشى الإنسان على سمعته, وهو في بيته، ولا يخشى وهو في بيته, أن يتحدث الناس عنه بما لا يرضى، وهو في البيت عليه أن يكون كاملاً, حتى يتحقق هذا الحديث الشريف:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
بالمناسبة: لا تعتقد أبداً أنه يمكن أن تعفى من مسؤوليتك تجاه أولادك وزوجتك أمام الله عز وجل, لو قلت: إن المجتمع فاسد، لو قلت: هناك بلوى عامة، لو قلت: المجتمع أصبح في فساد عريض، هذا الكلام لا يعفيك من المسؤولية، لو قلت: المدارس لا يوجد فيها توجيه صحيح مثلاً، يوجد فساد عام، هذه الكلمات كلها لا تعفيك, من أن الله سبحانه وتعالى سيسألك عن أولادك يوم القيامة، وإن كان تربية الأولاد في زمن الفساد أصعب منه في زمن الصلاح ، هذا شيء ثابت، لكن الأجر على قدر المشقة .
أردت من هذا الحديث: أننا عندما نقيم الإسلام في بيوتنا، ولدينا دائرة أخرى, أذكرها لكم دائماً: أعمالنا إذا أقمنا أمر الله عز وجل في بيوتنا, وفي أعمالنا، هنا تنتهي مسؤوليتنا، هذا الذي في قدرتنا, هذا الذي أوكله الله إلينا، هذا الذي سيحاسبنا الله عنه، هذا الذي نحن قادرون على أن نصلحه، عندئذٍ ننتظر من الله عز وجل العلي القدير, أن يغير هو الشيء الذي لا نستطيعه، لو أن السماء شحت في الأمطار، هل نستطيع إنزال الأمطار؟ لا, هذه فوق طاقتنا، فالحركة منطقية جداً, قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
[سورة الرعد الآية: 11]
إذاً:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ))
هل يوجد إنسان ممكن ألاّ يكون مسؤولا إلا بحالات نادرة؟ إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب، إذا سلب من إنسان عقله سقطت عنه المسؤولية، أما إذا أُودِع في الإنسان عقلٌ، لو كان الابن أمينًا على مال أبيه، هناك أولاد يتلفون أموال آبائهم .
أبسط مثل: حينما تستهلك الكهرباء استهلاكا غير منطقي, فالابن لا يشعر بالمسؤولية ، لا يشعر أن هذه طاقة, يجب أن يستهلكها استهلاكاً مع حكمة، فإذا أسرف في استهلاك هذه الطاقة، وجعل أباه يدفع مبلغًا فوق طاقته, فقد خان الأمانة، هذا الطفل الذي في البيت، فالابن مسؤول, والزوجة مسؤولة:
((أيما امرأة قعدت على بيت أولادها, فهي معي في الجنة))
لا يجب على الإنسان أن يهمل ما أوكله الله به، ويتطلع إلى آفاق هو معفى منها، المرأة أوكلها الله ببيت زوجها وبأولادها، وبتأمين حاجاتهم وطعامهم وشرابهم، وتهيئة البيت المريح لهم، وتهيئة الحاجات النظيفة لهم .
الله سبحانه وتعالى أوكل هذا إلى المرأة، فإذا قصّرت في واجبها, وتطلعت إلى عمل آخر، هذا يوقعها في التناقض، لأن درءَ المفاسد مقدم على جلب المنافع .
هذه الأفكار وإن بدت بسيطة, هي خطيرة جداً، لأن الإنسان إذا سعد في بيته أنتج في عمله، حينما تهيئ الزوجة لزوجها جواً مريحاً، وعلاقات طيبة، وحاجات موفورة, وبيتاً منظماً, هذا يدعو الزوج إلى أن يضاعف إنتاجه خارج البيت، وهذا الذي يقولونه دائماً: إن كل إنسان ناجح وراءه زوجة مخلصة، هذا كلام جزء منه صحيح، إلى حد ما مقبول .
2-والرجل راع......عن رعيته :
((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ, وَهُوَ مَسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ))
طبعاً: كلمة الأهل هنا لا تعني الزوجة فقط، تعني الوالدين إذا كانا عند الابن، وربنا عز وجل قال:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾
[سورة الإسراء الآية: 23]
يكون الابن في أحد أطوار حياته عند أبيه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً، لكن في طور آخر: يكون الأب عند ابنه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً، فإذا أصبح الأب عندك، وأنت عنه مسؤول، فهذا من أهلك وحاسب عنه .
فالوالدان, والأولاد, والزوجة، أولاً ينبغي أن ينفق عليهم، وما من مرض أشد في إفساد ذات البين من الشح, وربنا عز وجل قال:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
فأولاً ينبغي أن تنفق عليهم، وثانياً ينبغي أن تعلمهم أمر الدين، أن تنفق عليهم حتى يشعروا بالامتنان, لأن الله سبحانه وتعالى في بعض الأحاديث القدسية يقول:
((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم, فإن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))
فالابن إذا رأى أن أباه يغدق عليه من الحاجات التي هي في أمس الحاجة إليها, يميل قلبه، عندئذٍ يأتي تعليم الدين، إذاً: الإنفاق عليهم, وتعليمهم أمر دينهم, وترغيبهم في الخير .
هناك آباء يدرب أولاده في سن مبكر على الإنفاق على معاونة الضعيف, على إكرام اليتيم, على الإحسان, على التصدق, على بر الوالدين, على صلة الأرحام، فكلما كان الأب أكثر قرباً من الله عز وجل .
هناك آباء تجار يصطحبون معهم أولادهم في سفر التجارة، يقول لك: حتى أعلمه السفر، ونزول الفنادق، واللقاء مع مدير شركات، فإذا كان طموح الأب, أن يكون ابنه تاجراً كبيراً منذ نعومة أظفاره, يعلمه على بعض أساليب التجارة, وبعض خبراتها، أما الأب المؤمن, فعليه أن يعلم ابنه منذ نعومة أظفاره, على حفظ كتاب الله، وعلى التأدب بآداب الإسلام، وعلى حب النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى طلب العلم، وعلى الأنس بأهل الله عز وجل, وعليه أن يحذرهم, أحياناً يسلك الآباء سلوك المنع .
أنا أرى أن التحصين الداخلي للابن أنجع من المنع الخارجي، الكبت ربما انتهى إلى انفجار، المنع الخارجي ربما أغرى الابن بالانحراف، أما إذا حصنته من الداخل بالعلم, بالإقناع, بالتعليم, بأن يعيش في بيئة راقية, هذا أرقى بكثير من أن تكون قامعاً له، القمع قد يؤدي إلى انحراف خطير، لكن التحصين الداخلي بالعلم, هذا يؤدي إلى تحصين خارجي.
لذلك سيدنا علي يقول: العلم خير من المال, لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة, والعلم يزكو على الإنفاق .
الحقيقة, الآن: في الظروف الصعبة؛ ظروف المعيشة, وشراء البيوت وتأسيسها، قضايا الزواج, الآباء مسؤولون أمام الله عز وجل, عن تزويج أبنائهم, كل بقدر استطاعته, قال تعالى:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
[سورة البقرة الآية: 286]
لكن الآباء الأبطال الذين يقلقون لضياع أبنائهم، ولمصيرهم السري, فهم يحرصون على تأمين زواجهم, وتأمين استقرارهم، هذا من الأعمال الطيبة, والراقية جداً .
والشباب الآن: في أمسِّ الحاجة إلى آباء, يجعلون نصب أعينهم, تزويج أولادهم, وتأمينهم، والآية الكريمة:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
[سورة النور الآية: 32]
الأيامى جمع أيم، ومعنى الأيم: الذي لا زوجة له, ذكراً كان أو أنثى، فمعنى أنكحوا الأيامى: زوجوا الفتيات، وزوجوا الشباب، الفتاة والشاب بحاجة إلى الزواج، الشاب بحاجة إلى زواج بتيسير وسائل الزواج؛ المسكن ولو كان متواضعًا, ولو كان بمكان بعيدًا، ولو كان غرفة واحدة, تيسير المسكن, وتيسير الحاجات الأساسية، وتزويج الفتاة يكون بالتساهل مع الخاطب المؤمن, قال تعالى:
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
[سورة القصص الآية: 27]
فالآباء إذا لم يشقوا على خاطبي فتياتهم، والأبناء إذا توافرت لهم سبل الزواج، نكون قد طبقنا هذه الآية:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
[سورة النور الآية: 32]
من حقوق الأهل على الأب: أن يطعمهم مما يأكل، وأن يلبسهم مما يلبس، وأن يحسن أسماءهم، وعليه حق الدين أن يختار لهم الأم الصالحة .
أول حق للأولاد على أبيهم: أن يحسن اختيار أمهم, لأن علاقة الأولاد بأمهم, أشد بعشرات المرات من علاقتهم بأبيهم .
الآن: لدينا حالة نجدها في المجتمع، هناك آباء كثيرون يردون خطاب بناتهم؛ إما بداعي احتقارهم لفقر الخطاب، أو انتظاراً للخاطب الغني، أو رغبة في الحسب أو النسب، إلى أن يعضلها فتبقى عانساً, لذلك قال تعالى:
﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾
[سورة النور الآية: 33]
والآية دقيقة جداً: فالأب الذي يعضل بناته, يضع العقبات تلو العقبات أمام خطابها, ينتظر الغني، ينتظر صاحب الحسب والنسب، ينتظر الشاب الذي لا يتوافر مثله إلا في المئة ألف، هذا الأب قد ينتهي به المطاف إلى أن يلقي ابنته بلا زوج, وعندئذٍ يكون قد قوّى فيها دافع الشهوة، فإذا زلت قدمها, ففي رقبة الأب، لأنه هو السبب .
قرأت قبل أيام مقالة كتبتها كاتبة, تقول ملخصه: خذوا كل شهاداتي, وأعطوني زوجاً ، لأن حاجة الأمومة التي أودعها الله في قلب الأنثى, تفوق أية حاجة, حاجة الأمومة، فالمرأة لا شيء يملأ فراغها كابن تربيه، أو فتاة تربيها، فالآباء عليهم أن ينتبهوا كثيراً .
هناك آباء مسافرون, مقيمون في بلاد أجنبية، لا أحد يخطب فتياتهم, هؤلاء إذا بقوا هناك, فالانحراف متوقع من الفتيات، أو أن تبقى الفتاة بلا زوج أيضاً, هذا شيء متوقع.
أعرف أشخاصاً كثيرين, وهم في أوج نجاحهم في بلاد الغرب, جمعوا أمتعتهم، وعادوا إلى بلدهم، ضماناً لمستقبل فتياتهم .
فالإنسان يعيش ليؤدي رسالة، وأولاده وبناته أحد أكبر بنود هذه الرسالة .
3-والمرأة راعية.......عن رعيتها :
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))
نساء الصحابة رضوان الله عليهم كنا يخدمن أزواجهن، ويربين أولادهن، ويدبرن منازلهن، بل ويساعدن أزواجهن في أعمالهم، فهذا فضل كبير تكسبه المرأة إذا كانت مضحية معطاءة .
فلذلك كانت تقول الصحابية الجليلة لزوجها قبل أن يخرج من بيته:
((يا فلان نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام))
فالمرأة التي لا تحمل زوجها فوق طاقته, تتلطف بطلباتها، مؤونتها قليلة، طلباتها يسيرة، لا تحرج زوجها، لا تدفعه إلى أن يكسب مالاً حراماً، لا تدفعه إلى أن يكون ابناً شقياً بعيداً عن أهله، المرأة الصالحة المؤمنة هي التي تقل طلباتها، ويعظم خيرها، لذلك إذا أدت المرأة ما عليها دخلت جنة ربها .
والمرأة كما تعلمون أيها الأخوة, ليس بينها وبين الجنة كما قيل إلا الموت، فالمرأة الصالحة ليس بينها وبين الجنة إلا أن تموت، فإذا ماتت فهي في الجنة، لأنها صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها، فدخلت جنة ربها .
والمرأة على دين خليلها، بالمناسبة: طبيعة المرأة طبيعة انقيادية منفعلة، ولولا هذه الطبيعة, لما رأيت زوجين تحت سقف واحد, لولا أن المرأة من طبيعتها, أنها انفعالية انقيادية ، تفتخر أن يقودها زوجها، وأن يحميها زوجها، لولا أنها بهذه الطبيعة, لما رأيت زوجين تحت سقف واحد، الرجل قيادي المرأة, تميل إلى أن تكون منقادة بزوجها, وهذه من نعم الله الكبرى، فهذه المرأة التي تترك القيادة لزوجها, هذه إذا أطاعت ربها, حينما تطيع زوجها, دخلت جنة ربها, لذلك الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
هذه آية أصل، القرآن الكريم دقيق جداً، فالإنسان أحياناً يقرأ، يقول الله لك:
﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
أنت مسؤول عن أهلك, قال تعالى:
﴿نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾
[سورة التحريم الآية: 6]
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((المرأة على دين خليلها))
هكذا المرأة من طبيعتها الانفعال, بمعنى: أنها تابعة وليست متبوعة .
((وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))
تسره إذا حضر بمظهرها، وتحفظه إذا غاب في نفسها وماله وولده، ومن حفظت نفسها، وبرت زوجها، وأدت حق ربها, لن يكن بينها وبين الجنة إلا الموت، أي أصبحت على أبواب الجنة .
لكن لئلا يظن الزوج أن له كل شيء، وأنه ليس لها شيء، قال تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[سورة البقرة الآية: 228]
لا يوجد إنسان يسعد في حياته الزوجية إلا إذا كان واقعيًا، وكان منطقيًا، كما أنه يحب أمه، كذلك هي تحب أمها، فإذا أردت أن تكون بارة لأمك، وأنت عاقاً لأمها, لا تستقيم حياة زوجية بهذه الطريقة, أردتها أن تكون بارة لأمك، لأنها أمك، واستخففت بأمها, فهذا موقف متناقض غير مقبول، لذلك هذا العش سرعان ما يتهدم، لأننا خالفنا طبيعة النفس البشرية، لذلك:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
[سورة البقرة الآية: 228]
وربنا عز وجل يقول:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾
[سورة آل عمران الآية: 195]
أحياناً الإنسان يكون عنصريًا، يظن نفسه من طبيعة أخرى غير طبيعة المرأة، الله عز وجل يقول:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
[سورة الأعراف الآية: 189]
من طبيعة واحدة، مكلفة كما أنت مكلف، مكلفة بالإسلام كما أنت مكلف بالإسلام، مكلفة بأركان الإيمان كما أنت مكلف بأركان الإيمان، فأنت متساوٍ مع امرأتك في التكليف والتشريف، أنت مكلف كما هي مكلفة، وأنت مشرف كما هي مشرفة .
والحقيقة: حينما تكون المرأة فقيهة, تعرف واجباتها تجاه زوجها وأولادها، وتعرف واجباتها تجاه ربها، وحينما تكون فقيهة, تعرف أحكام العبادات وأحكام المعاملات، هذه تربي أسرة بأكملها، لذلك آمال كبيرة جداً معقودة على أن تكون المرأة المسلمة تعرف أمر دينها، وأمر الحياة التي تعيشها، لذلك الأولاد الذين تنجبهم امرأة تعرف الله عز وجل أولاد سعداء, لأنهم ينشؤون كما تعرفون في ظل رعايتها وعلمها .
وليس بعيداً عنكم قول المرأة التي اشتكت النبي عليه الصلاة والسلام قالت:
((إن زوجي تزوجني وأنا شابة, ذات أهل ومال, فلما كبرت سني, ونفر بطني, وتفرق أهلي, وذهب مالي، قال لي: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد, إن تركته إليه ضاعوا, وإن ضممتهم إلي جاعوا))
، هو الذي يكسب الرزق .
أحياناً الأم الجاهلة، تعلم ابنها الكذب، لأنها تكذب أمامه على زوجها، تعلمه الإهمال, أحياناً تعلمه عدم الانضباط، تخيفه وتنشئ عنده عقد نفسية من أجل أن تسكته, تخيفه بكلمات لا معنى لها، هنا يوجد غول، هنا بعبع، هنا كذا، يوجد أشياء خطيرة جداً، هذه كلها عقد ينشأ عند الطفل عقد، بدل أن تعلمه أمر الله عز وجل, وأمر التوحيد, وأمر القرآن، فلذلك يجب أن تعتني عناية بالغة بتعليم فتياتنا, لأنهن أمهات المستقبل، تعليم الدين الحقيقي: الكتاب, السنّة, الواجبات .
آلاف الأسر تنهار لا لسبب وجيه بل بجهل المرأة, لتقصير أبيها في تعليمها أمر دينها، لتقصير أبيها وأمها في تعليمها حقوق الزوج وحقوق الأولاد .
4-والخادم راع في مال سيده :
الآن:
((وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ))
تقريباً موظف، مؤسسة تجارية, فيها موظفين، الشيء المألوف الآن: أنت موظف بهذا المحل، هذا المال الذي تحت إشرافك, هذا المال أمانة في عنقك, فلذلك الخادم يُسأل عن مال سيده: هل رعاه أم ضيعه؟ أتلفه أم صانه؟ .
كثير من الأشخاص في غياب صاحب المحل لا يبيع أو يكون قاسيًا مع الزبائن، ويمكن أن يصرف عشرات الزبائن حتى لا يتعب، الحياة لا تستقيم إذا لم يكن فيها أمانة، أما إذا كان هناك إنسان مخلص لصاحب المحل, فنشاطه في حضوره وفي غيبته واحد، هذا المؤمن .
والولد أيضاً مسؤول عن مال والده، أكثر مشاكل الأسر اليوم: الولد القوي يأكل حق الصغير، الكبير يأكل حظ الصغير، والذكر يأكل حق الأنثى، أكثر الأسر تجد أن الأبناء أكثر الإرث بيدهم، والفتيات محرومات من حقهن الشرعي في مال أبيهن .
فعندما يعتدي الأخ الذكر على حقوق أخوته الإناث، أو الأخ الأكبر يعتدي على حقوق أخواته الصغار, أصبح هناك اختلال في الميزان، هذه الأسرة تنتهي بعداوات لا حد لها .
أنا مطّلع على بعض القصص التي لا تصدق, يوجد عداوات بين الأخوة, بسبب هضم الحقوق, والعدل, والسوية في توزيع الإرث، عداوات لا حصر لها، فالابن مسؤول عن مال والده الذي تركه، يجب أن يعطي كل ذي حق حقه .
ودائماً هذه الآية الكريمة: يقع الناس في حيرة فيها:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة التغابن الآية: 14]
من تفسيرات هذه الآية: عندما يعصي الإنسان الله عز وجل, بضغط من زوجته, وبضغط من أولاده، ثم يلقى الله عز وجل ليحاسب عن عمله حساباً عسيراً, يرى أن هذا الابن الذي عصى الله من أجله, انتهت علاقته به إلى عداوة، ويرى هذه الزوجة التي عصى الله من أجلها, انتهت علاقته بها إلى عداوة، فهذا أحد معاني هذه الآية .
الإنسان أحياناً يخسر الجنة من أجل أهله المارقين من الدين، هو يعمل ليلاً نهاراً, وأهله من أجل إنفاق الأموال الطائلة على المباهج, وعلى المعاصي، هو يتحمل اسم الغش, والكذب, وكسب المال الحرام, لينفق على أهله, هذا المال على أمور لا ترضي الله عز وجل ، فعلى الإنسان أن ينتبه لهذه الناحية .
هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد