عن أبي الأحوص عن أبيه -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثوب دون، فقال: ((ألك مال؟، قال: نعم، قال: من أي المال؟، قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته)) (1)
موقف المسلم تجاه نعم الله - تعالى -عليه تكتنفه العديد من الآداب والالتزامات، بداية من شكرها، ثم تسخيرها في مرضاته - جل وعلا-، فضلاً عن التنعم بها في غير إسراف ولا مخيلة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله - تعالى -جميل، يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس)) (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا آتاك الله مالا فلير عليك، فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا [أي بحسن الهيئة والتجمل] ولا يحب البؤس [أي الخضوع والذلة ورثاثة الحال] ولا التباؤس)) (3) أي إظهار التمسكن والشكاية؛ لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له وازدرائهم إياه وشماتة أعدائه، فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا كراهة لقضائه ولا تضجر فمطلوب.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) (4) قيل المعنى: يرى مزيد الشكر للّه - تعالى -بالعمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله، والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القُرب قال - تعالى -: ( وأحسن كما أحسن اللّه إليك) [القصص: 77] والخلق كلهم عيال اللّه وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، فيرى في أثر الجدة عليه زياً وإنفاقا وشكراً، هذا في نعمة اللّه، أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به، وتهذيب الأخلاق، ولين الجانب، والحلم على السفيه، وتعليم الجاهل، ونشر العلم في أهله، ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام، وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية، وإقامة نواميس العدل فيهم، ومعاملتهم بالإنصاف وترك الاعتساف، إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم، ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه - تعالى-لا تحصى (5)
فإن قليل إن هذا ينافي ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((البذاذة من الإيمان)) (6) أي رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس، وحديث عائشة -رضي الله عنها- أنها أخرجت كساء وإزارا غليظا وقالت: " قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين" (7) ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا (8) أي يوماً بعد يوم.
فالجواب: أن مقصود هذه الآثار الحث على التواضع وعدم الانغماس في زينة الدنيا والانشغال الزائد بها، ولذلك قال البغوي معلقاً على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فليُرَ عليك)) هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف، والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفه، ومظاهرة الملبس على الملبس، على ما هو عادة العجم والمترفين (9)
أما حديث: (( البذاذة من الإيمان)) فالمقصود أن البذاذة من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر وإيثار الخمول بين الناس، لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال، وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران، وأعرض عن شكر المنعم المنان، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها فإنما الأعمال بالنيات ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها)) (10)
وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا، فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به؛ لأنه مبالغة في التزيين وتهالك به، وينسجم هذا التأويل مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان له شعر فليكرمه)) (11)
قال الغزالي: اعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال، كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع، وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون، وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره (12)
ــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) رواه النسائي ــ كتاب الزينة رقم 5129، وأبو داود ــ كتاب اللباس رقم 3541 وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 3428 (2) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد (صحيح) انظر حديث رقم: 1742 في صحيح الجامع (3) رواه البخاري في التلريخ الكبير والطبراني عن زهير بن أبي علقمة (حسن) انظر حديث رقم: 255 في صحيح الجمع (4) رواه الطبراني عن عمران بن حصين (صحيح) انظر حديث رقم: 1712 في صحيح الجامع (5) فيض القدير للمناوي 2/498 (6) رواه أحمد وابن ماجه عن أبي أمامة الحارثي (صحيح) انظر حديث رقم: 2879 في صحيح الجامع (7) متفق عليه (8) رواه أحمد عن عبد الله بن مغفل (صحيح) انظر حديث رقم: 6870 في صحيح الجامع (9) أنظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ـ كتاب البر والصلة / باب ما جاء في الإحسان والعفو نقلا عن شرح السنة للبغوي (10) رواه الترمذي عن معاذ بن أنس (حسن) انظر حديث رقم:6145 في صحيح الجامع (11) رواه أبو داود عن أبي هريرة (صحيح) انظر حديث رقم: 6493 في صحيح الجامع.(12) نقلا عن فيض القدير للمناوي 1/456
موقف المسلم تجاه نعم الله - تعالى -عليه تكتنفه العديد من الآداب والالتزامات، بداية من شكرها، ثم تسخيرها في مرضاته - جل وعلا-، فضلاً عن التنعم بها في غير إسراف ولا مخيلة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله - تعالى -جميل، يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس)) (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا آتاك الله مالا فلير عليك، فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا [أي بحسن الهيئة والتجمل] ولا يحب البؤس [أي الخضوع والذلة ورثاثة الحال] ولا التباؤس)) (3) أي إظهار التمسكن والشكاية؛ لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له وازدرائهم إياه وشماتة أعدائه، فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا كراهة لقضائه ولا تضجر فمطلوب.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) (4) قيل المعنى: يرى مزيد الشكر للّه - تعالى -بالعمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله، والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القُرب قال - تعالى -: ( وأحسن كما أحسن اللّه إليك) [القصص: 77] والخلق كلهم عيال اللّه وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، فيرى في أثر الجدة عليه زياً وإنفاقا وشكراً، هذا في نعمة اللّه، أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به، وتهذيب الأخلاق، ولين الجانب، والحلم على السفيه، وتعليم الجاهل، ونشر العلم في أهله، ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام، وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية، وإقامة نواميس العدل فيهم، ومعاملتهم بالإنصاف وترك الاعتساف، إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم، ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه - تعالى-لا تحصى (5)
فإن قليل إن هذا ينافي ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((البذاذة من الإيمان)) (6) أي رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس، وحديث عائشة -رضي الله عنها- أنها أخرجت كساء وإزارا غليظا وقالت: " قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين" (7) ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا (8) أي يوماً بعد يوم.
فالجواب: أن مقصود هذه الآثار الحث على التواضع وعدم الانغماس في زينة الدنيا والانشغال الزائد بها، ولذلك قال البغوي معلقاً على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فليُرَ عليك)) هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف، والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفه، ومظاهرة الملبس على الملبس، على ما هو عادة العجم والمترفين (9)
أما حديث: (( البذاذة من الإيمان)) فالمقصود أن البذاذة من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر وإيثار الخمول بين الناس، لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال، وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران، وأعرض عن شكر المنعم المنان، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها فإنما الأعمال بالنيات ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها)) (10)
وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا، فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به؛ لأنه مبالغة في التزيين وتهالك به، وينسجم هذا التأويل مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان له شعر فليكرمه)) (11)
قال الغزالي: اعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال، كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع، وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون، وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره (12)
ــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) رواه النسائي ــ كتاب الزينة رقم 5129، وأبو داود ــ كتاب اللباس رقم 3541 وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 3428 (2) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد (صحيح) انظر حديث رقم: 1742 في صحيح الجامع (3) رواه البخاري في التلريخ الكبير والطبراني عن زهير بن أبي علقمة (حسن) انظر حديث رقم: 255 في صحيح الجمع (4) رواه الطبراني عن عمران بن حصين (صحيح) انظر حديث رقم: 1712 في صحيح الجامع (5) فيض القدير للمناوي 2/498 (6) رواه أحمد وابن ماجه عن أبي أمامة الحارثي (صحيح) انظر حديث رقم: 2879 في صحيح الجامع (7) متفق عليه (8) رواه أحمد عن عبد الله بن مغفل (صحيح) انظر حديث رقم: 6870 في صحيح الجامع (9) أنظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ـ كتاب البر والصلة / باب ما جاء في الإحسان والعفو نقلا عن شرح السنة للبغوي (10) رواه الترمذي عن معاذ بن أنس (حسن) انظر حديث رقم:6145 في صحيح الجامع (11) رواه أبو داود عن أبي هريرة (صحيح) انظر حديث رقم: 6493 في صحيح الجامع.(12) نقلا عن فيض القدير للمناوي 1/456