بسم الله الرحمن الرحيم
الحب في الله
قال الله i ) وَالَّذِينَ تبوَّؤُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِم يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ (
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ــ منهم ـ
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه،
أحبتي في الله : إن من أعظم شعب الإيمان ومن أوثق عراه المحبة في الله , هذه الخصلة الإيمانية التي ينصلح بها دنيا العبد وآخرتـُه , تنصلح بها دنيا العبد لأنه يعيش مع إخوته المسلمين في صفاء ومودة
وتنصلح بها آخرتـُه لأنه ينال على محبة الله ورضوانِه ، ويُظِلـُّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلـُّه
والحب في الله والتآلف في الله هي من النِعم الكبرى التي ذكرها الله في معرض الامتنان على هذه الأمة فقال :
) وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(
وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين، لما في ذلك من الفضل، ولما جاء فيه من الأمر والندب، إذ كان الحبّ في الله عزّ وجلّ من أوثق عرى الإيمان، وكانت الألفة والصحبة لأجله والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتّقين،
وقد ورد في فضل الحب في الله أحاديث ُ كثيرة وعظيمة .
ففي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا ، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ ))
والمتحابون في الله يظلهم الله في ظله الشريف في يوم تدنو الشمس من رؤوس العباد .....
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ــ منهم ـ
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه
وعنه رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ الله تَعَالَى يقول يَوْمَ القِيَامَةِ : أيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي ))
والمتحابون في الله يتفضل الله عليهم ويجود ويمن فيغبطـَهم الأنبياء والرسل والشهداء
فعن معاذ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (( قَالَ الله - عز وجل - : المُتَحَابُّونَ في جَلالِي ،
لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ))
ومحبة المسلم أخاه في الله توجب محبة الله لهذيْن المتحابَيْن وأي مزية أعظمُ من أن يحبَّك الله وتكون عنده مقرباً محبوباً ؟
عن أَبي إدريس الخولاني رحمه الله ، قَالَ :دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإذَا فَتَىً بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقيلَ : هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل - رضي الله عنه - . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ ، هَجَّرْتُ ،ـ أي بكرت ـ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي ، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ قُلْتُ : وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لله ، فَقَالَ : آلله ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَقَالَ : آللهِ ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَأخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي ، فجبذني إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أبْشِرْ ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
ومن هذا الحديث وغيرِه نعلمُ أن المحبة في الله تقتضي لوازمَ لها وأموراً يجب أن تكون بين المتحابين في الله
فمن هذه الأمور إفشاء السلام , فإلقاء التحية والسلام سببٌ لحصول المحبة والمحبة سبب لدخول الجنة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم ))
ومن لوازم المحبة أن يزورَ المسلم أخاه لله وفي الله , وأن يجالسَه ففي الحديث القدسي الذي ذكرناه
(( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى ، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً ،ـ أي وكله بحفظِه ـ فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ ـ أي تَقُومُ بِهَا ، وَتَسْعَى في صَلاحِهَا ـ
قَالَ : لا ، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى ، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ ))
وليس كل حب يندرج تحت الحب في الله , ولهذا ذكر الإمام الغزالي في إحيائه أقساماً أربعة ً للمحبة فيما بين المسلمين فقال : القسم الأول: وهو حبك الإنسان لذاته فذلك ممكن وهو أن يكون في ذاته محبوباً عندك على معنى أنك تلذ برؤيته ومعرفته ومشاهدة أخلاقه وهيبته وسَمته ، فإن كل جميل محبوب.
ويدخل في هذا القسم الحب للجمال إذا لم يكن المقصود قضاء الشهوة فإن الصور الجميلة مستلذة في عينها حتى وإن فُقِد أصل الشهوة حتى إنه يستلذ النظر إلى الفواكه والأزهار وإلى الماء الجاري والخضرة من غير غرض سوى عينها. وهذا الحب لا يدخل فيه الحب لله بل هو حب بالطبع ، ويتصور ذلك ممن لا يؤمن بالله إلا أنه إن اتصل به غرض مذموم صار مذموماً كحب الصورة الجميلة لقضاء الشهوة حيث لا يحل قضاؤها. وإن لم يتصل به غرض مذموم فهو مباح لا يوصف بحمد ولا ذم
القسم الثاني: أن تحب إنساناً لتنال منه غرضاً ما ، فهذا الحب إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله، وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه فهو أيضاً خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله، بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق فمحبوبه الجاه والقبول، والعلم وسيلة إليه والأستاذ وسيلة إلى العلم، فليس في شيء من ذلك حب في لله
القسم الثالث: أن تحب إنساناً لتنال منه غرضاً ما وذلك الغرض ليس راجعاً إلى حظوظ في الدنيا بل يرجع إلى حظوظ في الآخرة ، وذلك كمن يحب أستاذه وشيخه لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل ومقصوده من العلم والعمل الفوز في الآخرة،فهذا من جملة المحبين في الله
القسم الرابع: أن تحب شخصاً لله وفي الله لا لتنال منه علماً أو عملاً وهذا أعلى الدرجات
والمقصود منه أن حبك لله ـ أي طاعتـُك له بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه ـ إذا قوي أثمرَ حبَّ كلِّ من يقوم بحق عبادة الله في علم أو عمل وأثمر حبَّ كلِّ من فيه صفة مرضية عند الله من خلق حَسَن أو تأدب بآداب الشرع. فتحبُّ شخصاً لأنه من أهل الذكر , ولأنه من المداومبن على صلاة الجماعة , ولأنه من المشـّائين إلى المساجد في الظـُلم, ولأنه من أهل الخير والصدقات .
فهذا الحب حاصل حتى وإن كان الذي نحبه غائباً عنا بحيث يُعلم أنه لا يصيبنا منه خير ولا شر في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا الحب هو حب في الله ولله من غير حظ . ، ولو كان الحب مقصوراً على حظ ينال من المحبوب في الحال أو المآل لما كان متصوَّراً حبُّ الموتى من العلماء والعباد ومن الصحابة والتابعين، بل من الأنبياء المنقرضين صلوات الله عليهم وسلامه، وحب جميعهم مكنون في قلب كل مسلم متدين، ويتبين ذلك بغضبه عند طعن أعدائهم في واحد منهم وبفرحه عند الثناء عليهم وذكر محاسنهم وكل ذلك حب لله وفي الله
أحبتي في الله : كان أعظم ما يربط سلفنا الصالح فما بينهم هو محبتهم لبعضهم في الله , وكانوا يتخذون الحب في الله منهج حياة لدينهم ودنياهم سيرون عليه , لأن الإيمان لايثبت إلا بالحب في الله يقول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم :
أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله
قال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمع إلى قول أهل النار " فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم "
وقال ابن السماك عند موته: اللهم إنك تعلم أني إذا كنت أعصيك كنت أحب من يعطيك فاجعل ذلك قربة لي إليك.
وقال الحسن.. يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول المرء مع من أحب فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم. وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع،
وقال رجل لمحمد بن واسع: إني لأحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. ثم حول وجهه وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض.
وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ ، - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ ،
فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أأعْلَمْتَهُ ؟ )) قَالَ :
لا . قَالَ : (( أعْلِمْهُ )) فَلَحِقَهُ ، فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّكَ في الله ، فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ
إن أعظم مؤاخاة حصلت في التاريخ هي مؤاخاة الأنصار والمهاجرين
وعن البرَاءِ بن عازب رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ في الأنصار : (( لاَ يُحِبُّهُمْ إلاَّ مُؤمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إلاَّ مُنَافِقٌ ، مَنْ أحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ الله ، وَمَنْ أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ الله ))
الهجرة
وشكرا لكم
الحب في الله
قال الله i ) وَالَّذِينَ تبوَّؤُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِم يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ (
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ــ منهم ـ
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه،
أحبتي في الله : إن من أعظم شعب الإيمان ومن أوثق عراه المحبة في الله , هذه الخصلة الإيمانية التي ينصلح بها دنيا العبد وآخرتـُه , تنصلح بها دنيا العبد لأنه يعيش مع إخوته المسلمين في صفاء ومودة
وتنصلح بها آخرتـُه لأنه ينال على محبة الله ورضوانِه ، ويُظِلـُّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلـُّه
والحب في الله والتآلف في الله هي من النِعم الكبرى التي ذكرها الله في معرض الامتنان على هذه الأمة فقال :
) وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(
وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين، لما في ذلك من الفضل، ولما جاء فيه من الأمر والندب، إذ كان الحبّ في الله عزّ وجلّ من أوثق عرى الإيمان، وكانت الألفة والصحبة لأجله والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتّقين،
وقد ورد في فضل الحب في الله أحاديث ُ كثيرة وعظيمة .
ففي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا ، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ ))
والمتحابون في الله يظلهم الله في ظله الشريف في يوم تدنو الشمس من رؤوس العباد .....
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ــ منهم ـ
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه
وعنه رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ الله تَعَالَى يقول يَوْمَ القِيَامَةِ : أيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي ))
والمتحابون في الله يتفضل الله عليهم ويجود ويمن فيغبطـَهم الأنبياء والرسل والشهداء
فعن معاذ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (( قَالَ الله - عز وجل - : المُتَحَابُّونَ في جَلالِي ،
لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ))
ومحبة المسلم أخاه في الله توجب محبة الله لهذيْن المتحابَيْن وأي مزية أعظمُ من أن يحبَّك الله وتكون عنده مقرباً محبوباً ؟
عن أَبي إدريس الخولاني رحمه الله ، قَالَ :دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإذَا فَتَىً بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقيلَ : هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل - رضي الله عنه - . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ ، هَجَّرْتُ ،ـ أي بكرت ـ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي ، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ قُلْتُ : وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لله ، فَقَالَ : آلله ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَقَالَ : آللهِ ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَأخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي ، فجبذني إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أبْشِرْ ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
ومن هذا الحديث وغيرِه نعلمُ أن المحبة في الله تقتضي لوازمَ لها وأموراً يجب أن تكون بين المتحابين في الله
فمن هذه الأمور إفشاء السلام , فإلقاء التحية والسلام سببٌ لحصول المحبة والمحبة سبب لدخول الجنة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم ))
ومن لوازم المحبة أن يزورَ المسلم أخاه لله وفي الله , وأن يجالسَه ففي الحديث القدسي الذي ذكرناه
(( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى ، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً ،ـ أي وكله بحفظِه ـ فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ ـ أي تَقُومُ بِهَا ، وَتَسْعَى في صَلاحِهَا ـ
قَالَ : لا ، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى ، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ ))
وليس كل حب يندرج تحت الحب في الله , ولهذا ذكر الإمام الغزالي في إحيائه أقساماً أربعة ً للمحبة فيما بين المسلمين فقال : القسم الأول: وهو حبك الإنسان لذاته فذلك ممكن وهو أن يكون في ذاته محبوباً عندك على معنى أنك تلذ برؤيته ومعرفته ومشاهدة أخلاقه وهيبته وسَمته ، فإن كل جميل محبوب.
ويدخل في هذا القسم الحب للجمال إذا لم يكن المقصود قضاء الشهوة فإن الصور الجميلة مستلذة في عينها حتى وإن فُقِد أصل الشهوة حتى إنه يستلذ النظر إلى الفواكه والأزهار وإلى الماء الجاري والخضرة من غير غرض سوى عينها. وهذا الحب لا يدخل فيه الحب لله بل هو حب بالطبع ، ويتصور ذلك ممن لا يؤمن بالله إلا أنه إن اتصل به غرض مذموم صار مذموماً كحب الصورة الجميلة لقضاء الشهوة حيث لا يحل قضاؤها. وإن لم يتصل به غرض مذموم فهو مباح لا يوصف بحمد ولا ذم
القسم الثاني: أن تحب إنساناً لتنال منه غرضاً ما ، فهذا الحب إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله، وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه فهو أيضاً خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله، بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق فمحبوبه الجاه والقبول، والعلم وسيلة إليه والأستاذ وسيلة إلى العلم، فليس في شيء من ذلك حب في لله
القسم الثالث: أن تحب إنساناً لتنال منه غرضاً ما وذلك الغرض ليس راجعاً إلى حظوظ في الدنيا بل يرجع إلى حظوظ في الآخرة ، وذلك كمن يحب أستاذه وشيخه لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل ومقصوده من العلم والعمل الفوز في الآخرة،فهذا من جملة المحبين في الله
القسم الرابع: أن تحب شخصاً لله وفي الله لا لتنال منه علماً أو عملاً وهذا أعلى الدرجات
والمقصود منه أن حبك لله ـ أي طاعتـُك له بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه ـ إذا قوي أثمرَ حبَّ كلِّ من يقوم بحق عبادة الله في علم أو عمل وأثمر حبَّ كلِّ من فيه صفة مرضية عند الله من خلق حَسَن أو تأدب بآداب الشرع. فتحبُّ شخصاً لأنه من أهل الذكر , ولأنه من المداومبن على صلاة الجماعة , ولأنه من المشـّائين إلى المساجد في الظـُلم, ولأنه من أهل الخير والصدقات .
فهذا الحب حاصل حتى وإن كان الذي نحبه غائباً عنا بحيث يُعلم أنه لا يصيبنا منه خير ولا شر في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا الحب هو حب في الله ولله من غير حظ . ، ولو كان الحب مقصوراً على حظ ينال من المحبوب في الحال أو المآل لما كان متصوَّراً حبُّ الموتى من العلماء والعباد ومن الصحابة والتابعين، بل من الأنبياء المنقرضين صلوات الله عليهم وسلامه، وحب جميعهم مكنون في قلب كل مسلم متدين، ويتبين ذلك بغضبه عند طعن أعدائهم في واحد منهم وبفرحه عند الثناء عليهم وذكر محاسنهم وكل ذلك حب لله وفي الله
أحبتي في الله : كان أعظم ما يربط سلفنا الصالح فما بينهم هو محبتهم لبعضهم في الله , وكانوا يتخذون الحب في الله منهج حياة لدينهم ودنياهم سيرون عليه , لأن الإيمان لايثبت إلا بالحب في الله يقول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم :
أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله
قال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمع إلى قول أهل النار " فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم "
وقال ابن السماك عند موته: اللهم إنك تعلم أني إذا كنت أعصيك كنت أحب من يعطيك فاجعل ذلك قربة لي إليك.
وقال الحسن.. يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول المرء مع من أحب فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم. وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع،
وقال رجل لمحمد بن واسع: إني لأحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. ثم حول وجهه وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض.
وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ ، - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ ،
فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أأعْلَمْتَهُ ؟ )) قَالَ :
لا . قَالَ : (( أعْلِمْهُ )) فَلَحِقَهُ ، فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّكَ في الله ، فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ
إن أعظم مؤاخاة حصلت في التاريخ هي مؤاخاة الأنصار والمهاجرين
وعن البرَاءِ بن عازب رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ في الأنصار : (( لاَ يُحِبُّهُمْ إلاَّ مُؤمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إلاَّ مُنَافِقٌ ، مَنْ أحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ الله ، وَمَنْ أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ الله ))
الهجرة
وشكرا لكم