عن عروة بن مسعود الثقفي قال: كان رسول الله يوضع عنده الماء فإذا بايعه النساء غمس أيديهن فيه.
وروي عن عروة بن مسعود الثقفي أنه قال: قال رسول الله : "لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان". قيل: يا رسول الله, كيف هي للأحياء؟ قال: "هي للأحياء أهدم وأهدم".
وعنه عروة بن مسعود الثقفي قال: أسلمت وتحتي عشرة نسوة إحداهن بنت أبي سفيان, فقال لي رسول الله : "اختر منهن أربعًا وخل سائرهن", فاخترت منهن أربعًا، منهن بنت أبي سفيان.
وفاة عروة بن مسعود :
استأذن عروة بن مسعود من النبي أن يرجع إلى قومه فقال: "إني أخاف أن يقتلوك", قال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فأذن له فدعاهم إلى الإسلام، ونصح لهم فعصوه، وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي قال: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه".
واختلف في اسم قاتله فقيل: أوس بن عوف، وقيل: وهب بن جابر، وقيل لعروة: ما ترى في دمك قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع النبي قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم.
"كان عروة بحراً لا ينزف ولا تُكدِّره الدلاء" (الزهري).
ميلاده ونشأته:
وُلِدَ عروة بن الزبير على أرجح الأقوال [سنة 23هـ]، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة[ ] ، ولا يُعلَم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميَّزاه على غيره من أقرانه، فكان دائماً يتمنى أن يؤخذ عنه العلم[1].
فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [424]).
سعة معارفه:
وقد تعدَّدت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تُكدِّره الدِّلاء" ([url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D8%A8%D9%86 %D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1"]ابن كثير[/url][ ] : [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9 %D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9"]البداية والنهاية[/url][ ] ؛ ج9، ص: [137]).
وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره.
عبادته وأخلاقه:
كان عروة مثالاً للعالِم العابد الذي لا يُخالِف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشاماً قال: "كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قُطِعَت رجله وهو صائم، ومات أيضاً وهو صائم، وكان يقول على نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح" (ابن الجوزي: صفة الصفوة؛ ج2، ص: [87])، كما كان حليماً صبوراً محتسباً عفيفاً كريماً صالحاً زاهداً بعيداً عن الفتنة[ ] [2]، وكان يقول: "رُب كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثتني عِزَّاً طويلاً".
كما كان ينأى بنفسه عن الفتن[ ] ويُحذِّر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي[ ] صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل للإسلام منتهى؟ قال: «نعم، فمن أراد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس»" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [423]).
مكانته التاريخية:
يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي (البداية: ج9، ص: [136])، ولكن مصنفاته لم تكن كتباً بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين؛ وإنما كانت عبارة عن رسائل تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعاً أو حديثاً معيناً يشبه ما يُسمَّى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص، يقول الأستاذ محمد شفيق غبريال: "وعندما دوَّنت هذه الأخبار، دونت منفصلة، فنجد كتاباً عن وقعة الجمل أو صِفِّين، أو ما إلى ذلك" (أ. محمد شفيق غبريال؛ بحث بعنوان: أساليب كتابة التاريخ عند العرب - مجلة مجمع [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9"]اللغة العربية[/url][ ] ، ج14، ص: [20]، ط سنة 1962م).
وربما كان ذلك هو الشائع في عصره؛ لا في التاريخ فحسب بل في سائر الفنون، فعن تدوين الحديث مثلاً يقول الأستاذ محمد محمد أبو زهو: "وكانت طريقتهم تتبع وحدة الموضوع، فهم يجمعون في المؤلف الواحد الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد؛ كالصلاة مثلاً، يجمعون الأحاديث الواردة فيها في مؤلف واحد" (أ. محمد محمد أبو زهو: الحديث والمحدِّثون، ص: [129]).
مروياته التاريخية:
وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في (السيرة)، والواقدي في (المغازي)، وابن سعد في (الطبقات)، وابن شبة النميري في (تاريخ المدينة)، والطبري في (تاريخ الرسل والملوك)، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل: ابن عبد البر في (الاستيعاب)، وابن الأثير في (أسد الغابة)، والذهبي في كتابيه (السيرة، والمغازي)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، والسيوطي في (الخصائص).
وبالنظر في هذه المرويات نجد أنها تناولت:
- الفترة المكية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتعبده في غار حِراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتعليم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء[ ] والصلاة، وإعلان الدعوة[ ] وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب.
وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة، حيث ذكر أنها كانت متجراً لقريش، أي مألوفة لأهل مكة، وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها، ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وتحدَّث عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: رمي القاذورات عليه، والسخرية منه، وعن خروج أبي بكر الصديق مهاجراً، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويُفسِّرها عند الحاجة.
ثم تكلم عن هجرة المسلمين إلى المدينة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مع تفاصيل قليلة عن أحداثها، وكيف تمَّت، مثل: خبر اختفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، واستئجاره رجلاً من بني الديل؛ ليدله وأبا بكر رضي الله عنه على الطريق إلى المدينة، ونزوله قباء، وانتظار المسلمين وتشوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وكيفية استقباله.
- الفترة المدنية: وتحدَّث فيها عن إصابة بعض المسلمين بالحمى بعد وصولهم إلى المدينة، ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحببها إليهم، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة[ ] رضي الله عنها، وسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، ومسألة القتال في الأشهر الحرم، وما نزل في ذلك من القرآن، وغزوة بدر، وقد تحدَّث فيها عن دعاء الرسول على المشركين، واختلاف كلمة المشركين، ورغبة بعضهم في العودة، وترك القتال، وبعض أسماء من قتل من المشركين واستشهد من المسلمين فيها، وقصة إسلام عمير بن وهب رضي الله عنه.
وغزوة بني قينقاع وما نزل فيها من القرآن، وغزوة أحد وتحدث فيها عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغزوة، وإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد، وقصة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن خلف، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة بئر معونة، وغزوة الرجيع، وغزوة بني النضير، وكيفية تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاءه الله عليه في هذه الغزوة وما نزل في ذلك من القرآن.
وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وحكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم، وغزوة بني المصطلق، وحادثة الإفك، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث رضي الله عنها، وسرية زيد رضي الله عنه إلى أم قرفة وصلح الحديبية وشروطه، وقصة فرار أبي بصير رضي الله عنه وأتباعه إلى ساحل البحر الأحمر وتعرُّضِه لتجارة قريش، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة.
وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وإعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم، وإرسال عروة بن مسعود رضي الله عنه بعد إسلامه إلى ثقيف، وقصة مقتله على أيديهم، وغزوة تبوك ودور المنافقين فيها، وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء، وحجة الوداع، وتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة رضي الله عنه، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته في بيت عائشة رضي الله عنها، وعمره حين توفى، وإشارته إلى فضل أبي بكر رضي الله عنه ووصيته بالأنصار قبل موته، وهذه الروايات إذا نظرنا إليها مجموعة وجدناها تكون شكلاً أو هيكلاً عاماً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
عصر الخلفاء الراشدين: وبدأه بالحديث عن فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الأحاديث التي تؤيد ذلك، واجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة.
وحروب الردة، وموقعة أجنادين، وتفرغ أبي بكر رضي الله عنه لإدارة شئون المسلمين، وتركه التجارة، ومرض أبي بكر الصديق، ومكان وتاريخ وفاته، ومن خلال مروياته المتفرقة عن أبي بكر رضي الله عنه نستطيع أن نقول أنه قدَّم صورة عن أهم الأحداث في عصره.
ثم تحدَّث عن واقعة اليرموك، والقادسية، وعن ذهاب [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%B9%D9%85%D8%B1 %D8%A8%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8"]عمر بن الخطاب[/url][ ] رضي الله عنه إلى فلسطين[ ] ، وعن قصة إصابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عمواس، واشتداد عمر رضي الله عنه في محاسبة أهله، وبعض الأخبار المتناثرة عن الحياة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتكلَّم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مدى الغنى الذي وصل إليه الناس في عصره، وعن مجيء الثوار إلى المدينة وحصارهم له، وعن مجادلة أهل مصر[ ] له، ثم تحدَّث عن واقعة الجمل، وعن النزاع الذي وقع بين أهل بيته وبين بني أمية، وقد حكى قصته بنزاهة تامة دون تحيز لأهل بيته.
وروي عن عروة بن مسعود الثقفي أنه قال: قال رسول الله : "لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان". قيل: يا رسول الله, كيف هي للأحياء؟ قال: "هي للأحياء أهدم وأهدم".
وعنه عروة بن مسعود الثقفي قال: أسلمت وتحتي عشرة نسوة إحداهن بنت أبي سفيان, فقال لي رسول الله : "اختر منهن أربعًا وخل سائرهن", فاخترت منهن أربعًا، منهن بنت أبي سفيان.
وفاة عروة بن مسعود :
استأذن عروة بن مسعود من النبي أن يرجع إلى قومه فقال: "إني أخاف أن يقتلوك", قال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فأذن له فدعاهم إلى الإسلام، ونصح لهم فعصوه، وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي قال: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه".
واختلف في اسم قاتله فقيل: أوس بن عوف، وقيل: وهب بن جابر، وقيل لعروة: ما ترى في دمك قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع النبي قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم.
"كان عروة بحراً لا ينزف ولا تُكدِّره الدلاء" (الزهري).
ميلاده ونشأته:
وُلِدَ عروة بن الزبير على أرجح الأقوال [سنة 23هـ]، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة[ ] ، ولا يُعلَم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميَّزاه على غيره من أقرانه، فكان دائماً يتمنى أن يؤخذ عنه العلم[1].
فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [424]).
سعة معارفه:
وقد تعدَّدت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تُكدِّره الدِّلاء" ([url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D8%A8%D9%86 %D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1"]ابن كثير[/url][ ] : [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9 %D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9"]البداية والنهاية[/url][ ] ؛ ج9، ص: [137]).
وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره.
عبادته وأخلاقه:
كان عروة مثالاً للعالِم العابد الذي لا يُخالِف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشاماً قال: "كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قُطِعَت رجله وهو صائم، ومات أيضاً وهو صائم، وكان يقول على نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح" (ابن الجوزي: صفة الصفوة؛ ج2، ص: [87])، كما كان حليماً صبوراً محتسباً عفيفاً كريماً صالحاً زاهداً بعيداً عن الفتنة[ ] [2]، وكان يقول: "رُب كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثتني عِزَّاً طويلاً".
كما كان ينأى بنفسه عن الفتن[ ] ويُحذِّر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي[ ] صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل للإسلام منتهى؟ قال: «نعم، فمن أراد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس»" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [423]).
مكانته التاريخية:
يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي (البداية: ج9، ص: [136])، ولكن مصنفاته لم تكن كتباً بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين؛ وإنما كانت عبارة عن رسائل تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعاً أو حديثاً معيناً يشبه ما يُسمَّى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص، يقول الأستاذ محمد شفيق غبريال: "وعندما دوَّنت هذه الأخبار، دونت منفصلة، فنجد كتاباً عن وقعة الجمل أو صِفِّين، أو ما إلى ذلك" (أ. محمد شفيق غبريال؛ بحث بعنوان: أساليب كتابة التاريخ عند العرب - مجلة مجمع [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9"]اللغة العربية[/url][ ] ، ج14، ص: [20]، ط سنة 1962م).
وربما كان ذلك هو الشائع في عصره؛ لا في التاريخ فحسب بل في سائر الفنون، فعن تدوين الحديث مثلاً يقول الأستاذ محمد محمد أبو زهو: "وكانت طريقتهم تتبع وحدة الموضوع، فهم يجمعون في المؤلف الواحد الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد؛ كالصلاة مثلاً، يجمعون الأحاديث الواردة فيها في مؤلف واحد" (أ. محمد محمد أبو زهو: الحديث والمحدِّثون، ص: [129]).
مروياته التاريخية:
وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في (السيرة)، والواقدي في (المغازي)، وابن سعد في (الطبقات)، وابن شبة النميري في (تاريخ المدينة)، والطبري في (تاريخ الرسل والملوك)، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل: ابن عبد البر في (الاستيعاب)، وابن الأثير في (أسد الغابة)، والذهبي في كتابيه (السيرة، والمغازي)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، والسيوطي في (الخصائص).
وبالنظر في هذه المرويات نجد أنها تناولت:
- الفترة المكية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتعبده في غار حِراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتعليم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء[ ] والصلاة، وإعلان الدعوة[ ] وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب.
وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة، حيث ذكر أنها كانت متجراً لقريش، أي مألوفة لأهل مكة، وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها، ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وتحدَّث عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: رمي القاذورات عليه، والسخرية منه، وعن خروج أبي بكر الصديق مهاجراً، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويُفسِّرها عند الحاجة.
ثم تكلم عن هجرة المسلمين إلى المدينة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مع تفاصيل قليلة عن أحداثها، وكيف تمَّت، مثل: خبر اختفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، واستئجاره رجلاً من بني الديل؛ ليدله وأبا بكر رضي الله عنه على الطريق إلى المدينة، ونزوله قباء، وانتظار المسلمين وتشوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وكيفية استقباله.
- الفترة المدنية: وتحدَّث فيها عن إصابة بعض المسلمين بالحمى بعد وصولهم إلى المدينة، ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحببها إليهم، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة[ ] رضي الله عنها، وسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، ومسألة القتال في الأشهر الحرم، وما نزل في ذلك من القرآن، وغزوة بدر، وقد تحدَّث فيها عن دعاء الرسول على المشركين، واختلاف كلمة المشركين، ورغبة بعضهم في العودة، وترك القتال، وبعض أسماء من قتل من المشركين واستشهد من المسلمين فيها، وقصة إسلام عمير بن وهب رضي الله عنه.
وغزوة بني قينقاع وما نزل فيها من القرآن، وغزوة أحد وتحدث فيها عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغزوة، وإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد، وقصة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن خلف، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة بئر معونة، وغزوة الرجيع، وغزوة بني النضير، وكيفية تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاءه الله عليه في هذه الغزوة وما نزل في ذلك من القرآن.
وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وحكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم، وغزوة بني المصطلق، وحادثة الإفك، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث رضي الله عنها، وسرية زيد رضي الله عنه إلى أم قرفة وصلح الحديبية وشروطه، وقصة فرار أبي بصير رضي الله عنه وأتباعه إلى ساحل البحر الأحمر وتعرُّضِه لتجارة قريش، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة.
وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وإعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم، وإرسال عروة بن مسعود رضي الله عنه بعد إسلامه إلى ثقيف، وقصة مقتله على أيديهم، وغزوة تبوك ودور المنافقين فيها، وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء، وحجة الوداع، وتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة رضي الله عنه، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته في بيت عائشة رضي الله عنها، وعمره حين توفى، وإشارته إلى فضل أبي بكر رضي الله عنه ووصيته بالأنصار قبل موته، وهذه الروايات إذا نظرنا إليها مجموعة وجدناها تكون شكلاً أو هيكلاً عاماً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
عصر الخلفاء الراشدين: وبدأه بالحديث عن فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الأحاديث التي تؤيد ذلك، واجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة.
وحروب الردة، وموقعة أجنادين، وتفرغ أبي بكر رضي الله عنه لإدارة شئون المسلمين، وتركه التجارة، ومرض أبي بكر الصديق، ومكان وتاريخ وفاته، ومن خلال مروياته المتفرقة عن أبي بكر رضي الله عنه نستطيع أن نقول أنه قدَّم صورة عن أهم الأحداث في عصره.
ثم تحدَّث عن واقعة اليرموك، والقادسية، وعن ذهاب [url=http://ar.islamway.net/search?domain=default&query="%D8%B9%D9%85%D8%B1 %D8%A8%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8"]عمر بن الخطاب[/url][ ] رضي الله عنه إلى فلسطين[ ] ، وعن قصة إصابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عمواس، واشتداد عمر رضي الله عنه في محاسبة أهله، وبعض الأخبار المتناثرة عن الحياة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتكلَّم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مدى الغنى الذي وصل إليه الناس في عصره، وعن مجيء الثوار إلى المدينة وحصارهم له، وعن مجادلة أهل مصر[ ] له، ثم تحدَّث عن واقعة الجمل، وعن النزاع الذي وقع بين أهل بيته وبين بني أمية، وقد حكى قصته بنزاهة تامة دون تحيز لأهل بيته.