هند بنت عتبة رضي الله عنها
(بطلة في الجاهلية والإسلام) هند بنت عتبة بن ربيعة زوجة أبي سفيان بن حرب وأم معاوية بن أبي سفيان أخبارها قبل إسلامها مشهورة. كانت هند ذات صفات ترفع قدرها بين النساء العرب ففيها فصاحة وجرأة وثقة وحزم ورأي تقول الشعر وترسل الحكمة.
فلما بلغ أهل مكة نبأ بدر نزلت أنباء بدر على المشركين نزول الصاعقة ومشت نساء من قريش إلى هند بنت عتبة. فقلن لها: ألا تبكين على أبيك (عتبة بن ربيعة) وأخيك (الوليد بن عتبة) وعمك( شيبة بن ربيعة) وأهل بيتك (قتل حنظلة بن أبي سفيان وأسر عمرو بن أبي سفيان)؟ فقالت: والنار تشوي كبدها: خلاني لا والله حتى أثأر من محمد وأصحابه والدهن علي حرام إن دخل رأسي حتى نغزوا محمدا والله لو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت ولكن لا يذهبه إلا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبة. وخرجت هند مع زوجها أبي سفيان سيد قريش يوم أحد فكانت تحرض الناس على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تقول لوحشي بن حرب العبد الحبشي: فبهذه الحرية حربتك إن قتلت حمزة فتصبح سيداً حراً. حتى قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - وشاءت إرادة الله جل شأنه أن تنقلب بطلة لجاهلية إلى بطلة الإسلام. فيوم فتح مكة عاد أبو سفيان بن حرب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وهو يصيح: يا معشر قريش.. ألا إني قد أسلمت فأسلموا إن محمدا قد أتاكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وفي اليوم الثاني لفتح مكة قالت هند لزوجها أبي سفيان: إنما أريد أن أتابع محمدا فخذني إليه. فقال لها: فإنك قد فعلت ما فعلت فاذهبي برجل من قومك معك فذهبت إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه-، فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها نسوة فاستأذن لها فدخلت متنقبة متنكرة فقالت: يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة برسوله، ثم كشفت عن نقابها وقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبا بك. فبايعها مع النساء.
وشهدت هند بنت عتبة موقعة اليرموك هي وزوجها وكانت تحرض على قتال الروم، وماتت هند بنت عتبة- رضي الله عنها- في نهاية خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
هند بنت عتبة العبمشية القرشية الكنانية، أبوها عتبة بن ربيعة سيد من سادات قريش وبني كنانة، عرف بحكمته وسداد رأيه. وهي إحدى نساء العرب اللاتي كان لهم شهرة عالية قبل الإسلام وبعده. زوجة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. وكانت امرأةً لها نَفسٌ وأنفة، ورأي وعقل. شهدت أحداً كافرة مع المشركين، ومثلت بحمزة بن عبد المطلب عم رسول الله محمد. وكانت من النسوة الأربع اللواتي أهدر الرسول دماءهن يوم فتح مكة، ولكنه عفا وصفح عنها حينما جاءته مسلمة تائبة حيث أسلمت يوم فتح مكة بعد إسلام زوجها أبي سفيان بليلة.[1]
نسبها
أخوتها
أولادها
زواجها
تزوجت هند في الجاهلية على إحدى الروايات من حفص بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي، وأنجبت منه ابنها أبان بن حفص.[4] وفي رواية أخرى أنها تزوجت الفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي ثم تطلقت منه للقصة المشهورة، [5] ثم خطبها سهيل بن عمرو العامري القرشي وأبي سفيان الأموي القرشي فتزوجت أبو سفيان [6]
قصتها مع الفاكه بن المغيرة
كان للفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن، فقام يوماً في ذلك البيت، وهند زوجته معه، ثم خرج عنها وتركها نائمة، فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها. فاستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هند وأنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحداً قط. قال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بنية: أنبئيني شأنك، فإن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار، وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن: قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة، فقال: إنك رميت ابنتي بشيء عظيم، فإما أن تبين ما قلت، وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش، ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف، فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف بالها. فقال لها أبوها: أي بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا؟ قالت: يا أبت، والله ما ذلك لمكروه قبلي، ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب. فقال لها أبوها: صدقت، ولكني سأخبره لك. فصفر بفرسه، فلما أدلى، عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله، ثم أوكى عليها وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية، فما هي؟ قال: ثمرة في كمرة. قال: أريد أبين من هذا. قال: حبة بر في إحليل مهر. قال: صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك، حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها، وقال: قومي غير رسحاء ولا زانية، وستلدين ملكاً سمى معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها، وقالت: والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك.[6]
زواجها من أبي سفيان
ذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها: يا أبت، إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي، فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره، وتبين لي خصاله. فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب، فدخل عليها أبوها وهو يقول:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما
رضاً لك يا هند الهنود ومقنع وما منهما إلا يعاش بفضله
وما منهما إلا يضر وينفع وما منهما إلا كريم مرزأ
وما منهما إلا أغر سميدع فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ
بل ولا تخدعي إن المخادع يخدع قالت: يا أبت، والله ما أصنع بهذا شيئاً، ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما، حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي. فبدأ يذكر سهيل بن عمرو، فقال: أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش، إن تابعته تابعك، وإن ملت عنه حط عليك، تحكمين عليه في أهله وماله. وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه، في الحسب والحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة، كثير الطيرة، لا ينام على ضعة، ولا يرفع عصاه عن أهله. فقالت: يا أبت، الأول سيد مضياع للحرة، فما عست أن تلين بعد إبائها، وتصنع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فأشرت، وخافها أهلها فأمنت، فساءت عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرة العفيفة، وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره، ولا تصيبه بذعر فتضيره، وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة، فزوجنيه. فزوجها من أبي سفيان. فولدت له معاوية.[6]
شعرها ورثاؤها
لما كانت وقعة بدر قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد، وأخويها صخر ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية وأنها تقول : أنا أعظم العرب مصيبة، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك.[7]
فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك قالت : أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب فقالت : اقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا.
فلما أن دنت منها قالت لها الخنساء : من أنت يا أخية ؟ قالت : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم ؟ فقالت الخنساء : بعمرو بن الشريد، وصخر، ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت ؟ قالت : بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد، قالت الخنساء : أو سواء هم عندك، ثم أنشدت الخنساء تقول :
أبكي أبي عـمـراً بعين غزيرة
قـليل إذا نام الخـلي جحـودها و صنوي لا أنسَ مـعاوية الذي
لـه من سـراة الحـرتين وفودها صخرا ومن ذا مثل صخر إذ
غدا بسلهبه الأبطال قبا يقودها فذلك يا هـند الرزية فاعلمي
ونيـران حـرب حين شـب وقودها فأجابتها هند:
أبـكي عـميد الأبطـحـين كليهما
وحـاميـهما مـن كـل باغ يريدها أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
وشيبة والحامي الذمار وليـدها أولـئـك آل المجـد من آل غالب
وفي العز منها حين ينمي عديدها ومن شعر هند أيضا في رثاء أبيها عتبة بن ربيعة بعد مقتله يوم بدر:
أعـيـني جودا بدمع سرب
عـلـى خير خندف لم ينقلب تـداعـى لـه رهطه غدوة
بنو هاشم وبنو المطلب يـذيقونه حـد أسيـافهم
يـعـلونه بعد ما قد عطـب يجرونه وعفير التراب
عـلـى وجهه عاريا قد سلب و كان لنـا جبلا راسيا
جميل المراة كثير العشـب فأمـا بري فلم أعنه
فـأوتـي من خير ما يحتسب هند في الجاهلية
كانت هند امرأة لها نفس وأنفة. شهدت أُحدًا كافرةً، وهي القائلة يومئذ ترتجز [الرجز]:
نحن بنـات طـــارق
نمشي على النمارق والدر في المخانــق
والمسك في المناطـق إن تقبلوا نعـانق
ونفرش النمــارق أو تدبروا نفـارق
فـراق غير وامــق فلما قُتِل حمزة بن عبد المطلب مَثَّلت به وشقت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تطق إسَاغتها، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "لو أساغتها لم تمسها النار". وقيل: إن الذي مثل بحمزة كان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص الأموي القرشي، جد عبد الملك بن مروان لأمه، وقتله النبي صَلَّى الله عليه وسلم صبرًا مُنصَرَفه من أُحد.
وقالوا أرادت بقولها بنات طارق أي: نحن بنات النّجم.[8]
إسلامها
أسلمت هند يوم فتح مكة وحَسُن إسلامها، وفي يوم فتح مكة قالت هند لأبي سفيان: "إني أريد أن أُبايع محمدًا". قال: "قد رأيتك تُكَذِّبِين هذا الحديث أمس!" فقالت: "والله ما رأيت الله عُبِد حَقَّ عبادته في هذا المسجد قبل الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين". قال: "فإنك قد فعلت ما فعلت. فاذهبي برجل من قومك معك". فذهبت إلى عثمان بن عفان، وقيل: إلى أخيها أبو حذيفة بن عتبة، فذهب معها فاستأذن لها فدخلت وهي مُنْتَقبة، والرسول يقول: « تُبَايِعِيْنِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكِي بِالله شَيْئًا»، فلما قال: « وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ»، قالت هند: "وهل تزني الحرة وتسرق؟" فلما قال: « وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ»، قالت: "ربيناهم صغارًا وَقَتَلتَهم كبارًا"
وشكت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان وقالت: "إنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها"، فقال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: « خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيْكَ وَوَلَدَكِ»، وقال أبو سفيان: " فما أصبت من مالي فهو حلال لك".
وفي رواية أخرى أنه لمّا كان يوم فتح مكة أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها، وأتين رسول الله وهو بالأبطح فَبَايَعْنَه، فتكلّمت هند فقالت:" يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك، يا محمّد إني امرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله". ثمّ كشفت عن نقابها وقالت: "أنا هند بنت عتبة". فقال رسول الله: « مرحبا بك». فقالت: "والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يَعزّوا من خبائك". فقال رسول الله: « وزيادة». وقرأ عليهنّ القرآن وبايعهنّ فقالت هند من بينهنّ: "يا رسول الله نماسحك؟" فقال: "إنّي لا أصافح النساء، إنّ قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة". ولما أسلمت هند جعلت تَضْرِبُ صنمًا في بيتها بالقدوم حتى فلّذته فلذة فلذة وهي تقول: "كنّا منك في غرور".[9]
جهادها
شهدت هند معركة اليرموك ضمن جيش المسلمين، وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم مع زوجها أبي سفيان وهي تقول: "عضدوا الغلفان بسيوفكم".[10]
مواقف من حياتها بعد الإسلام
وفاتها
توفيت في بداية عهد عمر بن الخطاب ومات في نفس يوم وفاتها أبو قحافة والد أبي بكر، وقيل أنها ماتت في خلافة عثمان بن عفان.[14]
المصادر:
[list="list-style-type: decimal"]
[*]^ سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/490)
[*]^ سيرة ابن هشام.
[*]^ الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج8، ص235.
[*]^ جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 33
[*]^ انساب الاشراف 3/357
[*]^ العقد الفريد (2/421)
[*]^ الأغاني (4/210)
[*]^ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 3317
[*]^ الطبقات الكبرى (8/237)
[*]^ فتوح البلدان - البلاذري - ج ١ - الصفحة ١٦٠
[*]^ بلاغات النساء (1/73)
[*]^ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٧٠ - الصفحة ١٨٦
[*]^ العقد الفريد 1/14
[*]^ الإصابة في تمييز الصحابة 8 - صفحة 29
[/list]
نسبها
- هي : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.[2]
- أمها : صفية بنت أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.[3]
أخوتها
- الوليد بن عتبة قتل يوم بدر مع والده وعمه.
- أبو حذيفة بن عتبة.
أولادها
- أبان بن حفص بن المغيرة المخزومي القرشي
- معاوية بن أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي
- عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي
- أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي
- جويرية بنت أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي
زواجها
تزوجت هند في الجاهلية على إحدى الروايات من حفص بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي، وأنجبت منه ابنها أبان بن حفص.[4] وفي رواية أخرى أنها تزوجت الفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي ثم تطلقت منه للقصة المشهورة، [5] ثم خطبها سهيل بن عمرو العامري القرشي وأبي سفيان الأموي القرشي فتزوجت أبو سفيان [6]
قصتها مع الفاكه بن المغيرة
كان للفاكه بن المغيرة بن عبد الله المخزومي القرشي بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن، فقام يوماً في ذلك البيت، وهند زوجته معه، ثم خرج عنها وتركها نائمة، فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها. فاستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هند وأنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحداً قط. قال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بنية: أنبئيني شأنك، فإن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار، وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن: قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة، فقال: إنك رميت ابنتي بشيء عظيم، فإما أن تبين ما قلت، وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش، ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف، فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف بالها. فقال لها أبوها: أي بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا؟ قالت: يا أبت، والله ما ذلك لمكروه قبلي، ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب. فقال لها أبوها: صدقت، ولكني سأخبره لك. فصفر بفرسه، فلما أدلى، عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله، ثم أوكى عليها وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية، فما هي؟ قال: ثمرة في كمرة. قال: أريد أبين من هذا. قال: حبة بر في إحليل مهر. قال: صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك، حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها، وقال: قومي غير رسحاء ولا زانية، وستلدين ملكاً سمى معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها، وقالت: والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك.[6]
زواجها من أبي سفيان
ذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها: يا أبت، إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي، فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره، وتبين لي خصاله. فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب، فدخل عليها أبوها وهو يقول:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما
رضاً لك يا هند الهنود ومقنع وما منهما إلا يعاش بفضله
وما منهما إلا يضر وينفع وما منهما إلا كريم مرزأ
وما منهما إلا أغر سميدع فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ
بل ولا تخدعي إن المخادع يخدع قالت: يا أبت، والله ما أصنع بهذا شيئاً، ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما، حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي. فبدأ يذكر سهيل بن عمرو، فقال: أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش، إن تابعته تابعك، وإن ملت عنه حط عليك، تحكمين عليه في أهله وماله. وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه، في الحسب والحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة، كثير الطيرة، لا ينام على ضعة، ولا يرفع عصاه عن أهله. فقالت: يا أبت، الأول سيد مضياع للحرة، فما عست أن تلين بعد إبائها، وتصنع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فأشرت، وخافها أهلها فأمنت، فساءت عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرة العفيفة، وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره، ولا تصيبه بذعر فتضيره، وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة، فزوجنيه. فزوجها من أبي سفيان. فولدت له معاوية.[6]
شعرها ورثاؤها
لما كانت وقعة بدر قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد، وأخويها صخر ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية وأنها تقول : أنا أعظم العرب مصيبة، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك.[7]
فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك قالت : أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب فقالت : اقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا.
فلما أن دنت منها قالت لها الخنساء : من أنت يا أخية ؟ قالت : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم ؟ فقالت الخنساء : بعمرو بن الشريد، وصخر، ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت ؟ قالت : بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد، قالت الخنساء : أو سواء هم عندك، ثم أنشدت الخنساء تقول :
أبكي أبي عـمـراً بعين غزيرة
قـليل إذا نام الخـلي جحـودها و صنوي لا أنسَ مـعاوية الذي
لـه من سـراة الحـرتين وفودها صخرا ومن ذا مثل صخر إذ
غدا بسلهبه الأبطال قبا يقودها فذلك يا هـند الرزية فاعلمي
ونيـران حـرب حين شـب وقودها فأجابتها هند:
أبـكي عـميد الأبطـحـين كليهما
وحـاميـهما مـن كـل باغ يريدها أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
وشيبة والحامي الذمار وليـدها أولـئـك آل المجـد من آل غالب
وفي العز منها حين ينمي عديدها ومن شعر هند أيضا في رثاء أبيها عتبة بن ربيعة بعد مقتله يوم بدر:
أعـيـني جودا بدمع سرب
عـلـى خير خندف لم ينقلب تـداعـى لـه رهطه غدوة
بنو هاشم وبنو المطلب يـذيقونه حـد أسيـافهم
يـعـلونه بعد ما قد عطـب يجرونه وعفير التراب
عـلـى وجهه عاريا قد سلب و كان لنـا جبلا راسيا
جميل المراة كثير العشـب فأمـا بري فلم أعنه
فـأوتـي من خير ما يحتسب هند في الجاهلية
كانت هند امرأة لها نفس وأنفة. شهدت أُحدًا كافرةً، وهي القائلة يومئذ ترتجز [الرجز]:
نحن بنـات طـــارق
نمشي على النمارق والدر في المخانــق
والمسك في المناطـق إن تقبلوا نعـانق
ونفرش النمــارق أو تدبروا نفـارق
فـراق غير وامــق فلما قُتِل حمزة بن عبد المطلب مَثَّلت به وشقت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تطق إسَاغتها، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "لو أساغتها لم تمسها النار". وقيل: إن الذي مثل بحمزة كان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص الأموي القرشي، جد عبد الملك بن مروان لأمه، وقتله النبي صَلَّى الله عليه وسلم صبرًا مُنصَرَفه من أُحد.
وقالوا أرادت بقولها بنات طارق أي: نحن بنات النّجم.[8]
إسلامها
أسلمت هند يوم فتح مكة وحَسُن إسلامها، وفي يوم فتح مكة قالت هند لأبي سفيان: "إني أريد أن أُبايع محمدًا". قال: "قد رأيتك تُكَذِّبِين هذا الحديث أمس!" فقالت: "والله ما رأيت الله عُبِد حَقَّ عبادته في هذا المسجد قبل الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين". قال: "فإنك قد فعلت ما فعلت. فاذهبي برجل من قومك معك". فذهبت إلى عثمان بن عفان، وقيل: إلى أخيها أبو حذيفة بن عتبة، فذهب معها فاستأذن لها فدخلت وهي مُنْتَقبة، والرسول يقول: « تُبَايِعِيْنِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكِي بِالله شَيْئًا»، فلما قال: « وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ»، قالت هند: "وهل تزني الحرة وتسرق؟" فلما قال: « وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ»، قالت: "ربيناهم صغارًا وَقَتَلتَهم كبارًا"
وشكت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان وقالت: "إنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها"، فقال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: « خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيْكَ وَوَلَدَكِ»، وقال أبو سفيان: " فما أصبت من مالي فهو حلال لك".
وفي رواية أخرى أنه لمّا كان يوم فتح مكة أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها، وأتين رسول الله وهو بالأبطح فَبَايَعْنَه، فتكلّمت هند فقالت:" يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك، يا محمّد إني امرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله". ثمّ كشفت عن نقابها وقالت: "أنا هند بنت عتبة". فقال رسول الله: « مرحبا بك». فقالت: "والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يَعزّوا من خبائك". فقال رسول الله: « وزيادة». وقرأ عليهنّ القرآن وبايعهنّ فقالت هند من بينهنّ: "يا رسول الله نماسحك؟" فقال: "إنّي لا أصافح النساء، إنّ قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة". ولما أسلمت هند جعلت تَضْرِبُ صنمًا في بيتها بالقدوم حتى فلّذته فلذة فلذة وهي تقول: "كنّا منك في غرور".[9]
جهادها
شهدت هند معركة اليرموك ضمن جيش المسلمين، وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم مع زوجها أبي سفيان وهي تقول: "عضدوا الغلفان بسيوفكم".[10]
مواقف من حياتها بعد الإسلام
- رُوي أن الخليفة عمر بن الخطاب نهى أبا سفيان بن حرب عن رش باب منزله لئلا يمر الحاج فيزلقون فيه فلم ينته ومر عمر فزلق ببابه فعلاه بالدرة وقال:" ألم آمرك أن لا تفعل هذا" فوضع أبو سفيان سبابته على فيه فقال عمر: " الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر وآمره فيأتمر"، فسمعته هند بنت عتبة فقالت: " أحمده يا عمر فانك ان تحمده فقد أوتيت عظيماً".[11]
- لما ولى عمر بْن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان بن حرب لزوجته هند : "كيف ترين صار ابنك تابعا لابني"، فقالت : " إن اضطرب حبل العرب، فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني"، فمات يزيد بالشام، فولى عمر معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية : "والله يا بني إنه لقل ما ولدت حرة مثلك، وقد استنهضك هذا الرجل، فاعمل بموافقته أحببت ذلك أم كرهت"، وقال له أبو سفيان : "يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا، وتأخرنا، فرفعهم سبقهم، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة، وصرنا أتباعا، وقد ولوك جسيما من أمورهم، فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فيه، فإن بلغته أورثته عقبك".[12]
- زار أبو سفيان معاوية بالشام، فلما رجع من عنده دخل على عمر. فقال: أجزنا أبا سفيان. قال: ما أصبنا شيئاً فنجيزك منه. فأخذ عمر خاتمه، فبعث به إلى هند، وقال للرسول: قل لها: يقول لك أبو سفيان: انظري إلى الخرجين الذين جئت بهما فأحضريهما. فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم. فطرحهما عمر في بيت المال. فلما ولي عثمان ردهماً عليه. فقال أبو سفيان: ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر.[13]
وفاتها
توفيت في بداية عهد عمر بن الخطاب ومات في نفس يوم وفاتها أبو قحافة والد أبي بكر، وقيل أنها ماتت في خلافة عثمان بن عفان.[14]
المصادر:
[list="list-style-type: decimal"]
[*]^ سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/490)
[*]^ سيرة ابن هشام.
[*]^ الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج8، ص235.
[*]^ جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 33
[*]^ انساب الاشراف 3/357
[*]^ العقد الفريد (2/421)
[*]^ الأغاني (4/210)
[*]^ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 3317
[*]^ الطبقات الكبرى (8/237)
[*]^ فتوح البلدان - البلاذري - ج ١ - الصفحة ١٦٠
[*]^ بلاغات النساء (1/73)
[*]^ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٧٠ - الصفحة ١٨٦
[*]^ العقد الفريد 1/14
[*]^ الإصابة في تمييز الصحابة 8 - صفحة 29
[/list]