[size=24]عكرمة بن أبي جهل الراكب المهاجر
هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي وكنيته أبو عثمان ، كان في أواخر العقد الثالث من عمره ، فسنه ما بين خمس وعشرين وثمان وعشرين سنة
يوم صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الحق ، وكان من أكرم الناس حسبا ، وأكثرهم مالا، وأعزهم نسبا ، ومن الفرسان ،
وكان جديرا أن يسلم كما أسلم نظراؤه ، لولا عناد أبيه ، أبو جهل زعيم الضلال ، وزعيم المناوأة والشرك ، وزعيم القسوة .
دلالات قصته
قصة عكرمة رضي الله عنه لها دلالات عظيمة ، ومن أبرز دلالاتها أن أشد الناس عداوة إذا اهتدى إلى الله عز وجل يكون من أشد الناس نصرة
والمؤمن لا ييأس من أعداء الله ، مهما تكن العداوة شديدة ، ومهما يكن البعد واسعا ، هذا العدو اللدود ، وهذا الخصم العنيد ، وهذا المقاتل في سبيل الطاغوت إنسان لو اهتدى إلى
الله سبحانه وتعالى لصار أقرب الناس إليك ، حتى أن النبي صلىالله عليه وسلم بحكمته البالغة ، ورحمته الواسعة ، وعطفه الشديد ،وبعد نظره
صنع من ألد أعدائه نصيرا وصحابيا ، مات في ساحات الجهاد .
عداءه للإسلام
وجد عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه نفسه مدفوعا بحكم زعامة أبيه إلى مناوأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبحكم عداوة أبيه الشديدة للنبي صلى الله عليه وسلم وجد نفسه
منساقا إلى هذه العداوة ، وانطلاقا ممن حوله ناصب النبي صلى الله عليه وسلم أشد العداوة ، وآذى أصحابه أفدح الإيذاء ،وصب على الإسلام والمسلمين من النكال ما قرت به عين أبيه
لشدة ما نال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما نكل بهم ، ولشدة ما ناصب النبي صلى الله عليه وسلم من العداوة والبغضاء والتجريح و الطعن ، و قاد أبوه معركة
الشرك يوم بدر ، وأقسم باللات والعزى ألا يعود إلى مكة إلابعد القضاء على الإسلام بهزيمة محمد صلى الله عليه وسلم .
لكن اللات والعزى لم يلبيان نداء أبي جهل ، لأنهما لا يسمعان ، و خر أبو جهل الطاغية الكبير صريعا ، ورأى ابنه عكرمة رضيالله عنه بعينه رماح المسلمين تنهل من دمه ، وسمعه بأذنيه
وهو يطلق آخر صرخة انفرجت عنها شفتاه .وعاد عكرمة رضي الله عنه إلى مكة بعد أن خلف جثة سيد كفار قريش في بدر ، فقد أعجزته الهزيمة أن يظفر بجثة أبيه
ليدفنها في مكة ، وتحولت إليه رئاسة بني مخزوم ، و لكن بعد مقتل أبيه أخذ عكرمة رضي الله عنه موقفا آخر ، كان في بادئ الأمر يعادي النبي صلى الله عليه وسلم حمية لأبيه ،
فأصبح يعاديه اليوم ثأرا لأبيه ، ومن هنا انبرى عكرمة رضي الله عنه ونفر ممن قتل آباؤهم في بدر يؤججون نار العداوة في صدور المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم ،
ويضرمون جذوة الثأر في قلوب الموتورين من قريش ، حتى كانت موقعة أحد ،
فخرج عكرمة بن أبي جهل إلى أحد وأخرج معه زوجته أم حكيم رضي الله عنها كي تكون الزوجة دافعا لزوجها في اقتحام الأخطار ،
ولإحراز النصر و لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف ، وتضرب معهن على الدفوف ، تحريضا لقريش على القتال ، وتنديدا لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار
وجعلت قريش على ميمنة الجيش خالد بن الوليد ، وعلى ميسرته عكرمة بن أبي جهل ، رضي الله عنهما وكان قائدا لامعا جدا ، وأبلى الفارسان المشركان
في ذلك اليوم بلاء رجح كفة قريش على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، الذين عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحقق للمشركين النصر الكبير
مما جعل أبا سفيان يقول : هذا يوم بيوم بدر .
وفي يوم الخندق حاصر المشركون المدينة أياما طويلة ، فنفذ صبر عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ، وضاق ذرعا من الحصار ،
ونظر إلى مكان ضيق من الخندق ، وأقحم جواده فاجتازه ، ثم اجتازه وراءه بضعة نفر في أجرأ مغامرة ، ذهب ضحيتها عمرو
بن عبد ود العامري أما هو فلم ينج إلا بالفرار .
الهروب
في يوم الفتح رأت قريش ألا قبل لها بمحمد صلى الله عليهوسلم وأصحابه ، فأجمعت على أن تخلي له السبيل إلى مكة ، وقد أعانها على اتخاذ قرارها هذا ما عرفته من أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر قادته ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم من أهل مكة ، لكن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ونفر ممن معه خرجوا على إجماع قريش ، وتصدوا للجيش الكبير ،
فهزمهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، والذي أسلم قبل فتح مكة بعام ، هزمهم في معركة صغيرة ، قتل فيها من قتل ، ولاذ بالفرار من لاذ ، وكان في جملة الفارين عكرمة بي أبي
جهل رضي الله عنه ، ولقدكان عهد رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكةألا يقتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أن النبي صلى اللـه عليه وسلم
استثنى منهم نفرا سماهم بأسمائهم واحدا واحد ، وأمر بقتلهم ،وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عكرمة رضي الله عنه لشدة عداوته وشدة تنكيله بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وشدة كراهيته للإسلام ، لذلك تسلل متخفيا من مكة ، ويمم وجهه شطر اليمن ، إذ لم يكن له ملاذ إلا هناك ، هرب من الجزيرة العربية إلى اليمن في جنوبها .
الأمان
أم حكيم زوجته مضت مع هند بنت عتبة رضي الله عنهما إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما عشرة نسوة ليبايعن النبي صلى الله عليه وسلم
وقامت أم حكيم زوج عكرمة بن أبيجهل رضي الله عنهما فأسلمت ، وقالت : يا رسول الله ، قد هرب منك عكرمة إلى اليمن خوفا أن تقتله فأمنه أمنك الله
فقال صلى الله عليه وسلم :" هو آمن "
فخرجت من ساعتها في طلبه حتى أدركت عكرمة رضي الله عنه عند ساحل البحر في منطقة تهامة ، وهو يفاوض نوتيا ، والنوتي هو الملاح صاحب السفينة
وكان النوتي مسلم ويقول له : أخلص حتى أنقلك
فقال عكرمة رضي الله عنه : وكيف أخلص حتى تنقلني؟ قال : تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
فقال عكرمة رضي الله عنه : ما هربت إلا منها وفيما هو كذلك أقبلت أم حكيم على عكرمة رضي الله عنهما ،
وقالت : يا ابن عمي جئتك من عند أفضل الناس ، جئتك من عند خيرالناس ، جئتك من عند أبر الناس ، من عند محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام
ولقد استأمنت لك منه وأمنك فلا تهلك نفسك قال رضي الله عنه : أنت كلمتِه
قالت رضي الله عنها : نعم ، أنا كلمته ، وأمنك وما زالت به تؤمنه ، وتطمئنه حتى عاد معها .
إسلامه
فلما دنا عكرمة رضي الله عنه من مكة قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
" سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت "
وما هو إلا قليل حتى وصل عكرمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
وثب إليه من غير رداء فرحا به ..فرحا بإسلامه .ولما جلس صلى الله عليه وسلم وقف عكرمة رضي الله عنه بين يديه ، وقال : يا محمد إن أم حكيم أخبرتني أنك أمنتي
فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقت ، فأنت آمن " قال عكرمة رضي الله عنه : إلام تدع يا محمد ؟
قال صلى الله عليه وسلم : " أدعوك إلى أن تشهد أنه لا إله إلا الله ، وأني عبد الله ورسوله ،وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة " حتى عد أركان الإسلام كلها
فقال عكرمة رضي الله عنه : والله يا رسول الله ما دعوت إلا إلى حق ، وما أمرت إلا بخير ، ثم أردف يقول : يا رسول الله ، قد كنت فينا والله قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه ،
وأنت أصدقنا حديثا ، وأبرنا برا ، ثم بسط يده ، وقال :
إني أشهد أنه لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله ، ثم قال : يا رسول الله علمني خير شيء أقوله فقال صلى الله عليه وسلم :
"قل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله " فقال عكرمة رضي الله عنه : ثم ماذا
فقال صلى الله عليه وسلم : " تقول أشهِد الله ، وأشهِد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر "
فقال عكرمة رضي الله عنه ذلك ، عند هذا قال صلى الله عليه وسلم : " اليوم لا تسألني شيئا أعطيه أحداً إلا أعطيك إياه "
ثم قال عكرمة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتك ،
أنا كنت عدوا لدودا لك ، أو كل مقام لقيتك فيه ، وكل كلام قلته في وجهك ، أو في غيبتك ، فاستغفر لي الله عز وجل .
فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار به إلى موضع
يريد به إطفاء نورك ، واغفر له ما نال من عرضي في وجهي ، أو أنا غائب عنه "
فتهلل وجه عكرمة رضي الله عنه بشرا ، وقال : أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالاً قاتلته صدا عن سبيل
الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله .
ومنذ ذلك اليوم انضم عكرمة رضي الله عنه إلى موكب الدعوة فارساباسلا في ساحات القتال ، وعابدا قواما قراء لكتاب الله في المساجد ،فقد كان يضع المصحف على وجهه ويقول :
كتاب ربي ، كلام ربي ، وهو يبكي من خشية ربه .
قال ابن أبي مليكة : كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني يوم بدر .
المنام
قيل أن رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قد رأى في منامه أنه دخل الجنة ، فرأى فيها عذقا مذللا فأعجبه فقيل : لمن هذا ؟ فقيل : لأبي جهل
فشق ذلك عليه وقال : " ما لأبي جهل والجنة ؟ والله لا يدخلها أبدا " فلما رأى عكرمة أتاه مسلما تأول ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل .
جهاده
ولقد شارك في حرب مسيلمة الكذاب ، ثم أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتال المرتدين في عمان ومهرة اليمن فناجزهم وانتصر عليهم وغنم منهم وقل خلقا من المشركين .
ثم جاء وقت البر بقسمه في معركة اليرموك أقبل عكرمة رضي الله عنه على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم الحار ، ولما اشتد القتال على المسلمين في أحد المواقف الصعبة
نزل عن جواده ، وكسر غمد سيفه ، وأوغل في صفوف الروم ، فبادر إليه خالد رضي الله عنه ، وقال : يا عكرمة لا تفعل ، فإن قتلَك سيكون شديدا على المسلمين
فبماذا أجابه ؟
قال له رضي الله عنه : إليك عني يا خالد ، لقد كان لك مع رسولالله سابقة ، أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على النبي صلى الله عليه وسلم عداوة ، فدعني أكفر عما سلف مني.
ثم نادى في المسلمين : من يبايع على الموت ؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام ، وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين ، فقاتلوا دون فسطاط خالد بن الوليد رضي الله عنه أشد
القتال ، وذادوا عنه أكرم الذود ، ولما انجلت معركة اليرموك عن ذلك النصر المؤزر للمسلمين ، كان يتمدد على أرض المعركة ثلاثة مجاهدين أثخنتهم الجراح
هم الحارث بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم .
قمة الإيثار قبل الشهادة
الحارث دعا بماء ليشربه ،فلما قدم له نظر إليه عكرمة ، فقال : ادفعوه إليه ، فلما قربوه إليه نظر إليه عياش، فقال : ادفعوه إليه ، فلما دنوا من عياش وجدوه قد قضى نحبه ، فلما
عادوا إلى صاحبيه وجدوهما قد قضيا نحبهما ، لقد آثروا بعضهم ، وهم على أرض المعركة في النزع الأخير ، رضي الله عنهم أجمعين ،
وسقاهم من حوض الكوثر شربة لا يظمؤون بعدها أبدا[/size]
هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي وكنيته أبو عثمان ، كان في أواخر العقد الثالث من عمره ، فسنه ما بين خمس وعشرين وثمان وعشرين سنة
يوم صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الحق ، وكان من أكرم الناس حسبا ، وأكثرهم مالا، وأعزهم نسبا ، ومن الفرسان ،
وكان جديرا أن يسلم كما أسلم نظراؤه ، لولا عناد أبيه ، أبو جهل زعيم الضلال ، وزعيم المناوأة والشرك ، وزعيم القسوة .
دلالات قصته
قصة عكرمة رضي الله عنه لها دلالات عظيمة ، ومن أبرز دلالاتها أن أشد الناس عداوة إذا اهتدى إلى الله عز وجل يكون من أشد الناس نصرة
والمؤمن لا ييأس من أعداء الله ، مهما تكن العداوة شديدة ، ومهما يكن البعد واسعا ، هذا العدو اللدود ، وهذا الخصم العنيد ، وهذا المقاتل في سبيل الطاغوت إنسان لو اهتدى إلى
الله سبحانه وتعالى لصار أقرب الناس إليك ، حتى أن النبي صلىالله عليه وسلم بحكمته البالغة ، ورحمته الواسعة ، وعطفه الشديد ،وبعد نظره
صنع من ألد أعدائه نصيرا وصحابيا ، مات في ساحات الجهاد .
عداءه للإسلام
وجد عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه نفسه مدفوعا بحكم زعامة أبيه إلى مناوأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبحكم عداوة أبيه الشديدة للنبي صلى الله عليه وسلم وجد نفسه
منساقا إلى هذه العداوة ، وانطلاقا ممن حوله ناصب النبي صلى الله عليه وسلم أشد العداوة ، وآذى أصحابه أفدح الإيذاء ،وصب على الإسلام والمسلمين من النكال ما قرت به عين أبيه
لشدة ما نال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما نكل بهم ، ولشدة ما ناصب النبي صلى الله عليه وسلم من العداوة والبغضاء والتجريح و الطعن ، و قاد أبوه معركة
الشرك يوم بدر ، وأقسم باللات والعزى ألا يعود إلى مكة إلابعد القضاء على الإسلام بهزيمة محمد صلى الله عليه وسلم .
لكن اللات والعزى لم يلبيان نداء أبي جهل ، لأنهما لا يسمعان ، و خر أبو جهل الطاغية الكبير صريعا ، ورأى ابنه عكرمة رضيالله عنه بعينه رماح المسلمين تنهل من دمه ، وسمعه بأذنيه
وهو يطلق آخر صرخة انفرجت عنها شفتاه .وعاد عكرمة رضي الله عنه إلى مكة بعد أن خلف جثة سيد كفار قريش في بدر ، فقد أعجزته الهزيمة أن يظفر بجثة أبيه
ليدفنها في مكة ، وتحولت إليه رئاسة بني مخزوم ، و لكن بعد مقتل أبيه أخذ عكرمة رضي الله عنه موقفا آخر ، كان في بادئ الأمر يعادي النبي صلى الله عليه وسلم حمية لأبيه ،
فأصبح يعاديه اليوم ثأرا لأبيه ، ومن هنا انبرى عكرمة رضي الله عنه ونفر ممن قتل آباؤهم في بدر يؤججون نار العداوة في صدور المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم ،
ويضرمون جذوة الثأر في قلوب الموتورين من قريش ، حتى كانت موقعة أحد ،
فخرج عكرمة بن أبي جهل إلى أحد وأخرج معه زوجته أم حكيم رضي الله عنها كي تكون الزوجة دافعا لزوجها في اقتحام الأخطار ،
ولإحراز النصر و لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف ، وتضرب معهن على الدفوف ، تحريضا لقريش على القتال ، وتنديدا لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار
وجعلت قريش على ميمنة الجيش خالد بن الوليد ، وعلى ميسرته عكرمة بن أبي جهل ، رضي الله عنهما وكان قائدا لامعا جدا ، وأبلى الفارسان المشركان
في ذلك اليوم بلاء رجح كفة قريش على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، الذين عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحقق للمشركين النصر الكبير
مما جعل أبا سفيان يقول : هذا يوم بيوم بدر .
وفي يوم الخندق حاصر المشركون المدينة أياما طويلة ، فنفذ صبر عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ، وضاق ذرعا من الحصار ،
ونظر إلى مكان ضيق من الخندق ، وأقحم جواده فاجتازه ، ثم اجتازه وراءه بضعة نفر في أجرأ مغامرة ، ذهب ضحيتها عمرو
بن عبد ود العامري أما هو فلم ينج إلا بالفرار .
الهروب
في يوم الفتح رأت قريش ألا قبل لها بمحمد صلى الله عليهوسلم وأصحابه ، فأجمعت على أن تخلي له السبيل إلى مكة ، وقد أعانها على اتخاذ قرارها هذا ما عرفته من أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر قادته ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم من أهل مكة ، لكن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ونفر ممن معه خرجوا على إجماع قريش ، وتصدوا للجيش الكبير ،
فهزمهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، والذي أسلم قبل فتح مكة بعام ، هزمهم في معركة صغيرة ، قتل فيها من قتل ، ولاذ بالفرار من لاذ ، وكان في جملة الفارين عكرمة بي أبي
جهل رضي الله عنه ، ولقدكان عهد رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكةألا يقتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أن النبي صلى اللـه عليه وسلم
استثنى منهم نفرا سماهم بأسمائهم واحدا واحد ، وأمر بقتلهم ،وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عكرمة رضي الله عنه لشدة عداوته وشدة تنكيله بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وشدة كراهيته للإسلام ، لذلك تسلل متخفيا من مكة ، ويمم وجهه شطر اليمن ، إذ لم يكن له ملاذ إلا هناك ، هرب من الجزيرة العربية إلى اليمن في جنوبها .
الأمان
أم حكيم زوجته مضت مع هند بنت عتبة رضي الله عنهما إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما عشرة نسوة ليبايعن النبي صلى الله عليه وسلم
وقامت أم حكيم زوج عكرمة بن أبيجهل رضي الله عنهما فأسلمت ، وقالت : يا رسول الله ، قد هرب منك عكرمة إلى اليمن خوفا أن تقتله فأمنه أمنك الله
فقال صلى الله عليه وسلم :" هو آمن "
فخرجت من ساعتها في طلبه حتى أدركت عكرمة رضي الله عنه عند ساحل البحر في منطقة تهامة ، وهو يفاوض نوتيا ، والنوتي هو الملاح صاحب السفينة
وكان النوتي مسلم ويقول له : أخلص حتى أنقلك
فقال عكرمة رضي الله عنه : وكيف أخلص حتى تنقلني؟ قال : تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
فقال عكرمة رضي الله عنه : ما هربت إلا منها وفيما هو كذلك أقبلت أم حكيم على عكرمة رضي الله عنهما ،
وقالت : يا ابن عمي جئتك من عند أفضل الناس ، جئتك من عند خيرالناس ، جئتك من عند أبر الناس ، من عند محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام
ولقد استأمنت لك منه وأمنك فلا تهلك نفسك قال رضي الله عنه : أنت كلمتِه
قالت رضي الله عنها : نعم ، أنا كلمته ، وأمنك وما زالت به تؤمنه ، وتطمئنه حتى عاد معها .
إسلامه
فلما دنا عكرمة رضي الله عنه من مكة قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
" سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت "
وما هو إلا قليل حتى وصل عكرمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
وثب إليه من غير رداء فرحا به ..فرحا بإسلامه .ولما جلس صلى الله عليه وسلم وقف عكرمة رضي الله عنه بين يديه ، وقال : يا محمد إن أم حكيم أخبرتني أنك أمنتي
فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقت ، فأنت آمن " قال عكرمة رضي الله عنه : إلام تدع يا محمد ؟
قال صلى الله عليه وسلم : " أدعوك إلى أن تشهد أنه لا إله إلا الله ، وأني عبد الله ورسوله ،وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة " حتى عد أركان الإسلام كلها
فقال عكرمة رضي الله عنه : والله يا رسول الله ما دعوت إلا إلى حق ، وما أمرت إلا بخير ، ثم أردف يقول : يا رسول الله ، قد كنت فينا والله قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه ،
وأنت أصدقنا حديثا ، وأبرنا برا ، ثم بسط يده ، وقال :
إني أشهد أنه لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله ، ثم قال : يا رسول الله علمني خير شيء أقوله فقال صلى الله عليه وسلم :
"قل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله " فقال عكرمة رضي الله عنه : ثم ماذا
فقال صلى الله عليه وسلم : " تقول أشهِد الله ، وأشهِد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر "
فقال عكرمة رضي الله عنه ذلك ، عند هذا قال صلى الله عليه وسلم : " اليوم لا تسألني شيئا أعطيه أحداً إلا أعطيك إياه "
ثم قال عكرمة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتك ،
أنا كنت عدوا لدودا لك ، أو كل مقام لقيتك فيه ، وكل كلام قلته في وجهك ، أو في غيبتك ، فاستغفر لي الله عز وجل .
فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار به إلى موضع
يريد به إطفاء نورك ، واغفر له ما نال من عرضي في وجهي ، أو أنا غائب عنه "
فتهلل وجه عكرمة رضي الله عنه بشرا ، وقال : أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالاً قاتلته صدا عن سبيل
الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله .
ومنذ ذلك اليوم انضم عكرمة رضي الله عنه إلى موكب الدعوة فارساباسلا في ساحات القتال ، وعابدا قواما قراء لكتاب الله في المساجد ،فقد كان يضع المصحف على وجهه ويقول :
كتاب ربي ، كلام ربي ، وهو يبكي من خشية ربه .
قال ابن أبي مليكة : كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني يوم بدر .
المنام
قيل أن رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قد رأى في منامه أنه دخل الجنة ، فرأى فيها عذقا مذللا فأعجبه فقيل : لمن هذا ؟ فقيل : لأبي جهل
فشق ذلك عليه وقال : " ما لأبي جهل والجنة ؟ والله لا يدخلها أبدا " فلما رأى عكرمة أتاه مسلما تأول ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل .
جهاده
ولقد شارك في حرب مسيلمة الكذاب ، ثم أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتال المرتدين في عمان ومهرة اليمن فناجزهم وانتصر عليهم وغنم منهم وقل خلقا من المشركين .
ثم جاء وقت البر بقسمه في معركة اليرموك أقبل عكرمة رضي الله عنه على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم الحار ، ولما اشتد القتال على المسلمين في أحد المواقف الصعبة
نزل عن جواده ، وكسر غمد سيفه ، وأوغل في صفوف الروم ، فبادر إليه خالد رضي الله عنه ، وقال : يا عكرمة لا تفعل ، فإن قتلَك سيكون شديدا على المسلمين
فبماذا أجابه ؟
قال له رضي الله عنه : إليك عني يا خالد ، لقد كان لك مع رسولالله سابقة ، أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على النبي صلى الله عليه وسلم عداوة ، فدعني أكفر عما سلف مني.
ثم نادى في المسلمين : من يبايع على الموت ؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام ، وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين ، فقاتلوا دون فسطاط خالد بن الوليد رضي الله عنه أشد
القتال ، وذادوا عنه أكرم الذود ، ولما انجلت معركة اليرموك عن ذلك النصر المؤزر للمسلمين ، كان يتمدد على أرض المعركة ثلاثة مجاهدين أثخنتهم الجراح
هم الحارث بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم .
قمة الإيثار قبل الشهادة
الحارث دعا بماء ليشربه ،فلما قدم له نظر إليه عكرمة ، فقال : ادفعوه إليه ، فلما قربوه إليه نظر إليه عياش، فقال : ادفعوه إليه ، فلما دنوا من عياش وجدوه قد قضى نحبه ، فلما
عادوا إلى صاحبيه وجدوهما قد قضيا نحبهما ، لقد آثروا بعضهم ، وهم على أرض المعركة في النزع الأخير ، رضي الله عنهم أجمعين ،
وسقاهم من حوض الكوثر شربة لا يظمؤون بعدها أبدا[/size]