القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- المتعبد بتلاوته، المتحدي بأقصر سورة منه، والمنقول إلينا نقلا متواترًا.
هذا القرآن: هو الكتاب الْمُبِين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجزة الخالدة الباقية المستمرة على تعاقب الأزمان والدهور إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
وهو حبل الله المتين والصراط المستقيم والنور الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، فيه نبأ ما قبلكم وحكم ما بينكم وخير ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تَرَكَهُ من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراط مستقيم.
هذا القرآن: هو وثيقة النبوة الخاتمة، ولسان الدين الحنيف، وقانون الشريعة الإسلامية، وقاموس اللغة العربية، هو قدوتنا وإمامنا في حياتنا، به نهتدي، وإليه نحتكم، وبأوامره ونواهيه نعمل، وعند حدوده نقف ونلتزم، وسعادتنا في سلوك سننه واتباع منهجه، وشقاوتنا في تَنَكُّبِ طريقه والبعد عن تعاليمه.
وهو رباط بين السماء والأرض، وعهد بين الله وبين عباده، وهو منهاج الله الخالد، وميثاق السماء الصالح لكل زمان ومكان، وهو أشرف الكتب السماوية، وأعظم وحي نزل من السماء.
---
وباختصار فإن كلام الله سبحانه وتعالى لا يدانية كلام، وحديثه لا يشابهه حديث قال تعالى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } 1.
ولقد رفع الله شأن القرآن ونوَّهَ بعلوِّ منزلته فقال سبحانه:
{ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى } 2
كما وصفه سبحانه وتعالى بعدة أوصاف مبينًا فيها خصائصه التي مَيَّزَه بها عن سائر الكتب فقال: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } 3
وقال أيضًا: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } 4.
والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يبين لنا أن الإنسان بقدر ما يحفظ من آي القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في دَرَجِ الجنة وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمرو ابن العاص -رضي الله عنهما- عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتِّل كما كنت ترتِّل في دار الدنيا فإن منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها" 5.
كما يوضح لنا صلى الله عليه وآله وسلم أن قراءة القرآن يطيب بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهر فيكون المؤمن القارئ للقرآن طيبَ الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا
نقيًّا، وإن شاهدت سلوكه وجدته حسنًا طيبًا. فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأَتْرُجَّةِ: ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحَانَةِ: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: لا ريح لها وطعمها مر" 6.
ويخبرنا عبد الله بن مسعود أن من أحب القرآن يحبه الله ورسوله فيقول: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله" 7 .
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين فضل القرآن، فمن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الحديث فهي زاخرة بمثل ذلك.
====================
1سورة النساء: 87.
2 سورة طه: 4.
3 سورة المائدة: 15، 16.
4 سورة النحل: 89.
5 رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 192"، وإسناده حسن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
6 أخرجه البخاري "9/ 58" في فضائل القرآن، ومسلم رقم: 797، باب فضيلة حافظ القرآن، والترمذي 2869، باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ، وأبو داود 4830، والنسائي "8/ 124، 125"، وابن ماجه 214، انظر جامع الأصول "ج: 2، ص453".
7 قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7، ص165" باب فضل القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.