بسم الله الرحمن الرحيم
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع
أنواع النَّسخ والحكمة من وجوده:
يتنوع النَّسخ إلى أنواع، وما من نوع إلا وقد شرع لحِكم جليلة وفوائد عظيمة.
أنواع النَّسخ:
يمكن أن نقسم النَّسخ على وجه العموم إلى قسمين: نسخ شريعة النبي صلى الله عليه وسلم للشرائع السابقة، والنَّسخ داخل هذه الشريعة.
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:
لما كانت شريعة الإسلام آخر الشرائع، وصالحة لكل زمان ومكان؛ إذ لا شريعة بعدها، فقد نسخ الله بها ما شاء من الشرائع الماضية.
قال الإمام الزركشي: "شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع بالإجماع"[1].
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: "وقد أجمعت الأمةُ على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قد نسَخت ما خالفها من شرائع الأنبياء"[2].
وحينما يقرر أهل العلم بل يجمعون على نسخ هذه الشريعة لِما قبلها من الشرائع، فالمقصود ما يمكن أن نسميه فروعًا دون الأصول، أو الهيئات والكيفيات دون الحقائق والذوات؛ فإن الأصول - أو الحقائق والذوات - ثابتة لا تنسخ، بل هي مقررة في كل شريعة وأمة؛ فأصل الأصول - ألا وهو التوحيد - لا يمكن أن يتطرق له النَّسخ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال - جل في علاه -: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، وقال - جل شأنه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، وقال - جل جلاله -: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... ﴾ [الشورى: 13].
فهذه الشريعة لم تنسخ هذا الأصل الأصيل، الذي هو لب الشرائع كلها، مهما اختلفت الأمم وتباعدت الأزمان.
ونفس الشيء يقال بالنسبة لأصول العبادات؛ من صلاة وصيام وغيرها؛ فهذه الأصول ثابتة، وأقصد بذلك حقائقها وذواتها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ [مريم: 55]، وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وقال حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: ﴿ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ [هود: 87].
وكذلك أصول الأخلاق والمعاملات والآداب؛ فكل ذلك ثابت لا نسخ فيه، إنما النَّسخ في الكيفيات والهيئات.
وقد نقل الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - عن القَرافي قوله: "وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرًا، وهو غير مسلَّم، والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة، أما كلها فلا؛ لأن قواعد العقائد لم تنسخ، وكذلك حفظ الكليات الخمس"[3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] البحر المحيط في أصول الفقه: 3/155.
[2] روضة الناظر وجنة المناظر: 1/73.
[3] إرشاد الفحول: 1/353.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/77563/#ixzz3lodH535C
لحكمة من وجود النَّسخ
خلافًا لما قد يزعمه البعض من عدم وجود أي حكمة من النَّسخ، فإن للنسخ حِكمًا جليلة، وفوائد عظيمة، سواءٌ تعلق الأمر بنسخ الشريعة الإسلامية لِما قبلها من الشرائع، أو النَّسخ الحاصل في هذه الشريعة نفسها.
الحكمة من نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:
تظهر هذه الحكمة في كون الإسلام آخر الأديان، وشريعته خاتمة الشرائع صالحة لكل زمان ومكان، مما يجعلها مهيمنة على كل ما سبقها من الشرائع، والله تعالى يشرع لكل أمة ما يناسبها وأحوالها وزمانها، وما زالت البشرية في نمو ونضجٍ وتطور إلى أن صارت إلى ما هي عليه في آخر عصورها، مما يجعلها تحتاج لشريعة - هي أعظم الشرائع، وأكمل الشرائع - تفي بحاجياتها الدينية والدنيوية، وتلبي مطالبها العاجلة والآجلة، وتحل مشاكلها المختلفة، وتواجه مستجداتها، وهذه لا شك هي شريعة الإسلام الخاتمة لكل الشرائع.
يقول الشيخ الزرقاني في مناهله: "حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان، ومتممًا للشرائع، وجامعًا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد جمعًا وفَّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله؛ من أفراد وأسر، وجماعات وأمم وشعوب، وحيوان ونبات وجماد، مما جعله بحق دينًا عامًّا خالدًا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها!"[1].
ومن الحكم في هذا النوع من الشرائع: ما ذكره الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى، فبعد أن نقل شيئًا من كلام الفخر الرازي في المطالب العلية قال:
"وذكر غيره في ذلك وجوهًا، منها: أن الخَلْق طُبعوا على الملالة من الشيء، فوضع في كل عصر شريعة جديدة؛ لينشطوا في أدائها، ومنها: بيان شرف نبينا عليه السلام؛ فإنه نسخ بشريعته شرائعهم، وشريعته لا ناسخ لها، ومنها: ما فيه من حفظ مصالح العباد؛ كطبيب يأمر بدواء في كل يوم، وفي اليوم الثاني بخلافه للمصلحة، ومنها: ما فيه من البشارة للمؤمنين برفع الخدمة ومؤنتها عنهم في الجنة؛ فجريان النَّسخ عليها في الدنيا يؤذِن برفعها في الجنة، يمحو الله ما يشاء ويثبت، وذكر الشافعي في الرسالة أن فائدة النَّسخ رحمةُ الله بعباده، والتخفيف عنهم، وأُورِد عليه أنه قد يكون بأثقل، وجوابه أنه رحمة في الحقيقة بالوجوه التي ذكرنا"[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مناهل العرفان: 2/195.
[2] البحر المحيط: 3/156.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/80890/#ixzz3lodA2YJO
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع
أنواع النَّسخ والحكمة من وجوده:
يتنوع النَّسخ إلى أنواع، وما من نوع إلا وقد شرع لحِكم جليلة وفوائد عظيمة.
أنواع النَّسخ:
يمكن أن نقسم النَّسخ على وجه العموم إلى قسمين: نسخ شريعة النبي صلى الله عليه وسلم للشرائع السابقة، والنَّسخ داخل هذه الشريعة.
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:
لما كانت شريعة الإسلام آخر الشرائع، وصالحة لكل زمان ومكان؛ إذ لا شريعة بعدها، فقد نسخ الله بها ما شاء من الشرائع الماضية.
قال الإمام الزركشي: "شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع بالإجماع"[1].
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: "وقد أجمعت الأمةُ على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قد نسَخت ما خالفها من شرائع الأنبياء"[2].
وحينما يقرر أهل العلم بل يجمعون على نسخ هذه الشريعة لِما قبلها من الشرائع، فالمقصود ما يمكن أن نسميه فروعًا دون الأصول، أو الهيئات والكيفيات دون الحقائق والذوات؛ فإن الأصول - أو الحقائق والذوات - ثابتة لا تنسخ، بل هي مقررة في كل شريعة وأمة؛ فأصل الأصول - ألا وهو التوحيد - لا يمكن أن يتطرق له النَّسخ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال - جل في علاه -: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، وقال - جل شأنه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، وقال - جل جلاله -: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... ﴾ [الشورى: 13].
فهذه الشريعة لم تنسخ هذا الأصل الأصيل، الذي هو لب الشرائع كلها، مهما اختلفت الأمم وتباعدت الأزمان.
ونفس الشيء يقال بالنسبة لأصول العبادات؛ من صلاة وصيام وغيرها؛ فهذه الأصول ثابتة، وأقصد بذلك حقائقها وذواتها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ [مريم: 55]، وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وقال حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: ﴿ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ [هود: 87].
وكذلك أصول الأخلاق والمعاملات والآداب؛ فكل ذلك ثابت لا نسخ فيه، إنما النَّسخ في الكيفيات والهيئات.
وقد نقل الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - عن القَرافي قوله: "وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرًا، وهو غير مسلَّم، والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة، أما كلها فلا؛ لأن قواعد العقائد لم تنسخ، وكذلك حفظ الكليات الخمس"[3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] البحر المحيط في أصول الفقه: 3/155.
[2] روضة الناظر وجنة المناظر: 1/73.
[3] إرشاد الفحول: 1/353.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/77563/#ixzz3lodH535C
لحكمة من وجود النَّسخ
خلافًا لما قد يزعمه البعض من عدم وجود أي حكمة من النَّسخ، فإن للنسخ حِكمًا جليلة، وفوائد عظيمة، سواءٌ تعلق الأمر بنسخ الشريعة الإسلامية لِما قبلها من الشرائع، أو النَّسخ الحاصل في هذه الشريعة نفسها.
الحكمة من نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:
تظهر هذه الحكمة في كون الإسلام آخر الأديان، وشريعته خاتمة الشرائع صالحة لكل زمان ومكان، مما يجعلها مهيمنة على كل ما سبقها من الشرائع، والله تعالى يشرع لكل أمة ما يناسبها وأحوالها وزمانها، وما زالت البشرية في نمو ونضجٍ وتطور إلى أن صارت إلى ما هي عليه في آخر عصورها، مما يجعلها تحتاج لشريعة - هي أعظم الشرائع، وأكمل الشرائع - تفي بحاجياتها الدينية والدنيوية، وتلبي مطالبها العاجلة والآجلة، وتحل مشاكلها المختلفة، وتواجه مستجداتها، وهذه لا شك هي شريعة الإسلام الخاتمة لكل الشرائع.
يقول الشيخ الزرقاني في مناهله: "حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان، ومتممًا للشرائع، وجامعًا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد جمعًا وفَّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله؛ من أفراد وأسر، وجماعات وأمم وشعوب، وحيوان ونبات وجماد، مما جعله بحق دينًا عامًّا خالدًا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها!"[1].
ومن الحكم في هذا النوع من الشرائع: ما ذكره الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى، فبعد أن نقل شيئًا من كلام الفخر الرازي في المطالب العلية قال:
"وذكر غيره في ذلك وجوهًا، منها: أن الخَلْق طُبعوا على الملالة من الشيء، فوضع في كل عصر شريعة جديدة؛ لينشطوا في أدائها، ومنها: بيان شرف نبينا عليه السلام؛ فإنه نسخ بشريعته شرائعهم، وشريعته لا ناسخ لها، ومنها: ما فيه من حفظ مصالح العباد؛ كطبيب يأمر بدواء في كل يوم، وفي اليوم الثاني بخلافه للمصلحة، ومنها: ما فيه من البشارة للمؤمنين برفع الخدمة ومؤنتها عنهم في الجنة؛ فجريان النَّسخ عليها في الدنيا يؤذِن برفعها في الجنة، يمحو الله ما يشاء ويثبت، وذكر الشافعي في الرسالة أن فائدة النَّسخ رحمةُ الله بعباده، والتخفيف عنهم، وأُورِد عليه أنه قد يكون بأثقل، وجوابه أنه رحمة في الحقيقة بالوجوه التي ذكرنا"[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مناهل العرفان: 2/195.
[2] البحر المحيط: 3/156.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/80890/#ixzz3lodA2YJO