بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه أنه شُكي إليه ما يلقاه الناس من الحجاج فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذ بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم"
يقول ابن حجر: وقد استشكل هذا الإطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها. اهـ. ثم ضرب مثلاً لذلك زمن عمر بن عبد العزيز اشتهر بالخير مع أنه بعد زمن الحجاج؟
ولأهل العلم أجوبة على هذا الإشكال، منها:
أولاً: أن هذا الشر يكون على الأكثر الغالب وليس على الدوام فهو ليس بشكل مضطرد، وهذا القول قال به الحسن البصري، فقد سئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج؟ فقال: لابد للناس من تنفيس. اهـ. [الفتح (27/13)]
ثانياً: أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وأما في عصر عمر بن عبد العزيز فقد انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده بدليل: "خير القرون قرني" [الفتح (27/13)]
ثالثاً: أن المراد به قلة العلم فلا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي قبله.
قلت: وهو الراجح من الأقوال، قال ابن حجر: وهو أولى بالاتباع. اهـ وقد جاء الأثر صريحاً في هذا، فعن زيد بن هوب قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: "لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون" وجاء في لفظ: "لا يأتي عليكم زمان ألا وهو أشر مما كان قبله أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير ولا عاماً خيراً من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاً" وجاء في لفظ: "وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء" [الفتح (27/28/13)]
قلت: ويشكل على أثر ابن مسعود كثرة العلم فقد جاء في الحديث انتشار العلم والكتابة في آخر الزمان فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بين يدي الساعة ظهور القلم" رواه أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر. وجاء عند الطيالسي عن عمرو بن تغلب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من اشراط الساعة أن يكثر التجار ويظهر العلم" فما الجواب على هذين الأثرين؟
فالجواب: ذهاب العلم ليس بقلته بل بذهاب العلماء وهو صريح في حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء" رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو.
وهو صريح أثر عبد الله مسعود السابق فإنه قال:" ولكن بذهاب العلماء".
فقد يوجد العلم ويظهر الجهل في الناس ويقل فيهم العلم النافع وهو علم الكتاب والسنة، فيتخذ الناس رؤوساً جهالاً يستفتونهم.
والله أعلى وأعلم
وصلى الله على نبينا محمد.