قال الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله رحمة واسعة
قبل 56 سنة في كتابه بهجة قلوب الأبرار ........


الحديث التاسع والتسعون


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« [size=32]يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » [/size]
رواه الترمذي .



وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا .


أما الخبر :


فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه ، ويكثر الشر وأسبابه ،
وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل ،
وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة ، كحالة القابض على الجمر ،
من قوة المعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد ،
وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ،
وضعف الإيمان ، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد .



[size=32]ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق[/size]
[size=32]التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين ، [/size]
[size=32]وأهل الإيمان المتين ،[/size]
[size=32]من أفضل الخلق ، وأرفعهم عند الله درجة ، وأعظمهم عنده قدرا .[/size]



وأما الإرشاد :


فإنه إرشاد لأمته ، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة ، وأن يعرفوا أنه لا بد منها ،
وأن من اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات -
فإن له عند الله أعلى الدرجات ،
وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ، فإن المعونة على قدر المؤنة .


[size=32]وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ،[/size]



فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ،
إيمان ضعيف ، وقلوب متفرقة ، وحكومات متشتتة ،
وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين ،
وأعداء ظاهرون وباطنون ، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ،
وإلحاد وماديات ، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان ،
ودعايات إلى فساد الأخلاق ، والقضاء على بقية الرمق .



ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا ، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم ، وأكبر همهم ، ولها يرضون ويغضبون ،
ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة ، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا ،
وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله ، وبكل ما ينسب إليه ،
وفخر وفخفخة ، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد .



فمع هذه الشرور المتراكمة ، والأمواج المتلاطمة ، والمزعجات الملمة ، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة
- مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث .



ولكن مع ذلك ،


[size=32]فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله ، ولا ييأس من روح الله ، [/size]
[size=32]ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ،[/size]


[size=32]بل يكون متلفتاً في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ، [/size]


[size=32]ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لا يخلفه ،[/size]
[size=32]بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ، [/size]
[size=32]وأن الفرج مع الكرب ، [/size]
[size=32]وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات .[/size]



[size=32]فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال :[/size]


[size=32]" لا حول ولا قوة إلا بالله " و" حسبنا الله ونعم الوكيل " .[/size]
[size=32]على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، [/size]
[size=32]وإليك المشتكى . وأنت المستعان . وبك المستغاث . [/size]
[size=32]و " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "[/size]



[size=32]ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة . [/size]


[size=32]ويقنع باليسير ، إذا لم يمكن الكثير . [/size]
[size=32]وبزوال بعض الشر وتخفيفه ، إذا تعذر غير ذلك :[/size]


[size=32]{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، [/size]
[size=32]{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، [/size]
[size=32]{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }.[/size]


انتهى