معاذ بن جبل.


بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين, أما بعد:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أصحابي أصحابي كنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم", أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كالنجوم في السماء وكانت العرب تهدي في الطريق عن طريق النجم, وإن هذا النجم يعرفنا على الوقات والطرق التي توصلنا إلى المدن, وهكذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصلون إلى الهداية إلى طريق الحق المستقم, ومن هؤلاء النجوم, هو معاذ بن جبل.
أسلم وعمره ثماني عشر سنة, وتوفى وعمره أربع وثلاثين سنة أي أنَّ فترت عيشه في حضريت الإسلام ستة عشر سنة.
ماذا فعل معاذ رضى الله عنه في هذه الفتره؟.
أولاً: حضر بيعة العقبة الثانية مع النبي صلى الله عليه وسلم, حيث بايعوه على السمع والطاعة وعلى أن يمنعوا رسول الله مما يمنعوا منهم نساءهم وأموالهم وذراريهم, أي أن يحمو رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما المقابل يا رسول الله: قال: "بأنَّ لهم الجنة".
والأعظم من ذلك أنَّه شهد غزوة بدر, حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن شهد بدراً: قال الله عز وجل لهم انطلقوا قد غفرت لكم.
والأعظم من ذلك, أنَّ عنده موهبه فريده ومميزه عن الصحابة, وهى العلم, حيث قال الله تعالى : "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ", وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ». وخطب عمر الناس بالجابية، فقال: «من أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل».
وحينا أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أخى بينه وبين عبد الله بن مسعود, فالأخ يعرف أخوه, أنا وأنت نعرف ماذا يكون في بيتي, وماذا يكون عند أخي وما صفاته, فقال عنه ابن مسعود لفروة الأشجعي: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى:إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً. فأعاد قوله: إن معاذاً، فلما رأيته أعاد عرفت أنه تعمد الأمر، فسكت. فقال: أتدري ما الأمة؟ وما القانت؟ قلت: الله أعلم. قال: الأمة الذي يعلم الخير ويؤتم به ويقتدي، والقانت المطيع لله، وكذلك كان معاذ بن جبل معلما للخير مطيعا لله ولرسوله.
لذالك قال عمر بن الخطاب: لو أدركت معاذ بن جبل ثم وليته، ثم لقيت ربي عز وجل فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك ونبيك عليه السلام يقول: «يأتي بين يدي العلماء برتوة» أي برمية حجر, والذي يتقدم القوم من المؤكد أنه يكون سيدهم, وإنَّ معاذ بن جبل هو سيد العلماء يوم القيامة, لماذا يا ابن مسعود لأنّه معلم الخير للناس ويعمل به, فستحق هذه المرتبة العظيمة.
والأعظم من ذلك أن معاذ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث, ومن المؤكد أن يأخذ عنه التابعين, ولكن أخذ عنه الرجل الملهم الذي أتى القرآن يصدق قوله من سابع سماء وهو عمر بن الخطاب, وابن عمر الرجل الزاهد العباد حيث قال ابن عمر حدثنا عن العاقلين. قال: من هما؟ قال: هما معاذ بن جبل، وأبو الدرداء.
لذا قال أبو أدريس الخولاني «دخلت المسجد وفيه نحو من عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا فيهم رجل أدعج العينين، أغر الثنايا، إذا اختلفوا في شيء قال قولا , انتهوا إلى قوله، فسألت عنه , فإذا هو معاذ بن جبل», وفي رواية: " دخلت مسجد حمص , فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فإذا فيهم شاب أكحل العينين، براق الثنايا، لا يتكلم , ساكت، فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل ".
لذالك استحق المرتبة العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم من أجل علم وطاعته لله عز وجل والعمل بعلم حيث قيل "لم يكن يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء: عمر , وعلي , ومعاذ , وأبو موسى رضي الله عنهم ", ومن المعلوم أنَّ الصحابة لا يستطيعون أن يفتوا في حيات رسول الله إذا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأريد أن أشبها هنا شيخ من المشايخ هو عالم من علماء غزة, وطلبة العلم يتعلمون على يديه لا يقول لأحد أنك سوف تذهب لتعلم الناس, وإذا علم الناس إلا بعد تمحيص, واختبار له فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم "وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى".
لذالك استحق قول أبو نعيم الأصفهاني عنه بأنه: إمام الفقهاء، وكنز العلماء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن لما بعث معاذا: «إنّي بعثت لكم خير أهلي» .

وقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ إني أحب فقال له رسول الله وأن والله إني لأحب يا رسول الله فقال لا تدعن عند دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك.

[size=32]وله مناقب كثير معاذ رضى الله عنه, ولكن أكتفي بهذا القدر وبارك الله فيكم, وجزاكم الله كل خير.[/size]