دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين
منقول بتصرف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
هذا بحث جمعته في عجالة حول صفة النزول خاصة بعد أن رأيت تكالب البعض على أهل الحديث ولمزهم بالفواقر العظام
وياليتهم توقفوا عند هذا الحد!!؛ بل تجدهم –إلا من رحم الله- يقابل ذلك الحق –المؤيد بالدليل الشرعي- بالشتم والقذف والقدح في الإيمان والديانة؛ شأنهم كشأن من قال فيهم ربنا تبارك وتعالى: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}!!؛ فهذه هي طريقتهم!! في الرد على صاحب الحق الذي يتكلم بالحجة والدليل؛ فبدلاً من أن يردوا عليه بعلم؛ تجدهم يشغبون على صاحب الحجة والبرهان؛ ينهالون عليه بأقذع الشتائم، وأبطل التهم؛ ظانين بذلك أنهم سينتصرون على الحق. ولكن هيهات هيهات؛ فهذه الطرائق باتت مكشوفة للجميع؛ اللهم إلا عند نفر من أتباعهم المغفلين!!؛ الذي يحسبون الورم شحمًا!، والتشغيب علمًا!!.
أما من رزقه الله فهمًا وبصيرة؛ فيعلم –يقينًا- أنها هذه طرائق العجزة!؛ الذين لا يملكون شيئًا من العلم!!؛ إذ لو كان عندهم شيئٌ من ذلك؛ لرأيناه –في واقعهم معنا- بدلا من هذه القبائح؛ ولكن صدق من قال: «وكل إناء بالذي فيه ينضح!!».
وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث :
المبحث الأول : حديث النزول
المبحث الثاني : كلام أئمة الإسلام في شرح الحديث
المبحث الثالث : هل نجزم بإثبات النزول أم نفوض ونؤول؟
المبحث الرابع :بيان أن تأويل الحديث هو من أقوال المعتزلة
المبحث الخامس : الرد على الشبهات
المبحث الأول : حديث النزول.
حديث النزول صحيح وهو من الأحاديث المتواترة، وهو ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"(1).
موافقة هذا الحديث لما جاء في القرآن الكريم:
وهذه الأحاديث التي يحتج بها السلف جاءت موافقة للقرآن، وهذا ما احتج به الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه على بعض الجهمية بحضرة الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان، وذلك حين سئل إسحاق، سأله رجل في مجلس الأمير عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال إسحاق: نعم، قال السائل: كيف ينزل؟!! قال إسحاق أثبته فوق، حتى أصف لك النـزول، فقل له الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}433، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! أهذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يأتي يوم القيامة فمن يمنعه اليوم...؟.
المبحث الثاني : كلام أئمة الإسلام في شرح الحديث
قال الإمام الشافعي رحمه الله(204ه) (القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء».(2)
وقال الدارمي رحمه الله(280ه)(والآثار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه ,بائن من خلقه))(3)
وقال الإمام الطبري(وأنه سبحانه وتعالى يهبط كل ليلة وينزل إلى السماء الدنيا,لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم))(4)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا كان ثلث الليل الباقي يهبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا ثم تفتح أبواب السماء ,ثم يبسط يده فيقول : هل من سائل يعطى سؤله ؟فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر)(5)
وعقد الإمام ابن خزيمة رحمه الله (311ه) بابا في كتاب ((التوحيد)) افتتحه بقوله :باب ذكر أخبار الثابتة السند ,صحيحة القوام,رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جلا وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة .
نشهد شهادة مقر بلسانه ,مصدق بقلبه,مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن يصف الكيفية لأن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل ,والله عز و جل لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم,فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية ,إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أنَّ الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يَنْزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أنَّ النُّزول من أعلى إلى أسفل )(6)
وقال أبو العباس السراج رحمه الله(313ه)((من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى يعجب ويضحك,وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا,فيقول(من يسألني فأعطيه؟) فهو زنديق كافر ,يستتاب,فإن تاب وإلا ضربت عنقه ,ولا يصلى عليه ولا يدفت في مقابر المسلمين)(7)
قال الذهبي معقبا على هذا الأثر((قلت إنما يكفر بعد علمه بأن الرسول قال ذلك ثم إنه جهد ذلك ولم يؤمن به))كتاب العلو.
وقال أبو بكر بن أبي داود محدث بغداد(316) :
تمسك بحبل الله واتبع الهدى...ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي... أتت عـن رسـول الله تنجـو وتربـح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة *** بـلا كيـف جـل الواحـد المتمـدح
الى طبق الدنيـا يمـن بفضلـه *** فتفـرج أبـواب السمـاء وتفتـح
يقول ألا مستغفر يلـق غافـرا *** و مستمنـح خيـرا ورزقـا فيمنـح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهـم *** ألا خـاب قـوم كذبوهـم وقبحـوا(8)
وقال أبي الحسن الأشعري رحمه الله(324 ه) : ""ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول : ( هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ ) وسائر ما نقلوه و أثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل . ونعوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ولا نقول على الله مالا نعلم))(9)
وقال رحمه الله((ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وذكر حديث النزول بالسند عن ثلاثة من الصحابة وهم:جبير بن مطعم وأبو هريرة ورفاعة الجهني رضي الله عنهم)(10).
وقال الإمام المشهور ابن أبي زمنين رحمه الله(399ه)تعليقا على حديث النزول : هذا الحديث بين أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون الأرض,وهو أيضا بين في كتاب الله,وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم ذكر آيات دالة على علو الله تعالى)(11)
وقال الإمام أبو عمر الداني رحمه الله(444) : ومن قولهم : أن الله جلا جلاله وتقدست أسماؤه : ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من اليل ,فيقول(هل من داعي يدعوني فاستجيب له,وهل من سائل يسألني فاعطيه,وهل من مستغفر يستغفرني فاغفر له؟)حتى ينفجر الصبح,على ما صحت به الأخبار ,وتواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .نزوله تبارك وتعالى كيف شاء,بلا حد ولا تكييف.وهذا دين الأمة وقول أهل السنة في هذه الصفات أن تمر كما جاءت بغير تحديد ولا تكييف,فمن تجاوز المروي فيها وكيف شيئا منها ومثلها بشيء من جوارحنا وآلتنا فقد ضل واعتدى ,وابتدع في الدين ما ليس منه,وخرق إجماع المسلمين,وفارق أئئمة الدين)(12)
وقال ابن عبد البر رحمه الله((هذا الحديث ثابت من جهة النقل ,صحيح الإسناد,لا يختلف أهل الحديث في صحته ولا فيه(13) دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوص سبع سماوات,وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر(14),ثم ذكر الآيات الدالة على علو الله عز وجل(15)
وقال الإمام أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله(449ه) : ( ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف ، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه ، ويُمِرُّون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويَكِلون علمه إلى الله ) ، قلت : قوله : ( يَكِلون علمه إلى الله ) يقصد به علم كيفية النزول ، فقد استأثر الله بعلم الكيف ، أما المعنى فهو معروف من لغة العرب وهو لائق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ سورة الشورى ، الآية : 11 ] .(16)
و قال الإمام الإسماعيلي رحمه الله(369ه) : (وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقاد كيفية))(17)
وقال أبو الخطاب الكلوذاني رحمه الله(510ه) : (
قالو :النزول؟قلت ***:ناقله لنا قوم تمسكهم بشرع محمد
قالو :فكيف نزول؟فأجبتهم***لم ينقل التكييف لي في مسند(18)
وقال الشيخ عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني المالكي : (
والله ينزل كل آخر ليلة ***لسمائه الدنيا بلا كتمان
فيقول :هل من سائل فأجيبه***فأنا القريب أجيب من ناداني
حاشا الإله بأن تكيف ذاته***فالكيف والتمثيل منتفيان
والأصل أن الله ليس كمثله***شيء تعالى الرب ذو الإحسان(19)
وقال أبو الطيب رحمه الله : حضرت عند أبي جعفر الترمذي (295ه)فسأله سائل عن حديث نزول الرب,فالنزول كيف هو يبقى فوقه علو؟ فقال : (النزول معقول ,والكيف مجهول,والإيمان به واجب,والسؤال عنه بدعة))(20)
قال الإمام الذهبي معقبا-كما في كتابه العلو- : (صدق فقيه بغداد و عالمها في زمانه إذا السؤال عن النزول ما هو عي لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والإستواء عبارات جلية واضحة للسامع فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر).
وقال ابن القيم رحمه الله :
وكذا نزول الرب جلا جلاله***في النصف من الليل وذاك الثاني
فيقول لست بسائل غيري بأح***وال العباد أنا العظيم الشان
من ذا يسألني فيعطي سؤله***من ذا يتوب إلي من عصيان
من ذاك يسألني فاغفر ذنبه***فأنا الودود الواسع الغفران
من ذا يريد شفاءه من سقمه***فأنا القريب مجيب من نادان
ذا شأنه سبحانه وبحمده***حتى يكون الفجر فجر ثان
يا قوم ليس نزوله وعلوه***حقا لديكم بل هما عدمان
وكذلك يقول ليس شيئا عندكم***لا ذا ولا قولا سواه ثان
كل مجاز لا حقيقة تحته ***أول وزد وأنقص بلا برهان(21)
منقول بتصرف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
هذا بحث جمعته في عجالة حول صفة النزول خاصة بعد أن رأيت تكالب البعض على أهل الحديث ولمزهم بالفواقر العظام
وياليتهم توقفوا عند هذا الحد!!؛ بل تجدهم –إلا من رحم الله- يقابل ذلك الحق –المؤيد بالدليل الشرعي- بالشتم والقذف والقدح في الإيمان والديانة؛ شأنهم كشأن من قال فيهم ربنا تبارك وتعالى: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}!!؛ فهذه هي طريقتهم!! في الرد على صاحب الحق الذي يتكلم بالحجة والدليل؛ فبدلاً من أن يردوا عليه بعلم؛ تجدهم يشغبون على صاحب الحجة والبرهان؛ ينهالون عليه بأقذع الشتائم، وأبطل التهم؛ ظانين بذلك أنهم سينتصرون على الحق. ولكن هيهات هيهات؛ فهذه الطرائق باتت مكشوفة للجميع؛ اللهم إلا عند نفر من أتباعهم المغفلين!!؛ الذي يحسبون الورم شحمًا!، والتشغيب علمًا!!.
أما من رزقه الله فهمًا وبصيرة؛ فيعلم –يقينًا- أنها هذه طرائق العجزة!؛ الذين لا يملكون شيئًا من العلم!!؛ إذ لو كان عندهم شيئٌ من ذلك؛ لرأيناه –في واقعهم معنا- بدلا من هذه القبائح؛ ولكن صدق من قال: «وكل إناء بالذي فيه ينضح!!».
وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث :
المبحث الأول : حديث النزول
المبحث الثاني : كلام أئمة الإسلام في شرح الحديث
المبحث الثالث : هل نجزم بإثبات النزول أم نفوض ونؤول؟
المبحث الرابع :بيان أن تأويل الحديث هو من أقوال المعتزلة
المبحث الخامس : الرد على الشبهات
المبحث الأول : حديث النزول.
حديث النزول صحيح وهو من الأحاديث المتواترة، وهو ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"(1).
موافقة هذا الحديث لما جاء في القرآن الكريم:
وهذه الأحاديث التي يحتج بها السلف جاءت موافقة للقرآن، وهذا ما احتج به الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه على بعض الجهمية بحضرة الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان، وذلك حين سئل إسحاق، سأله رجل في مجلس الأمير عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال إسحاق: نعم، قال السائل: كيف ينزل؟!! قال إسحاق أثبته فوق، حتى أصف لك النـزول، فقل له الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}433، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! أهذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يأتي يوم القيامة فمن يمنعه اليوم...؟.
المبحث الثاني : كلام أئمة الإسلام في شرح الحديث
قال الإمام الشافعي رحمه الله(204ه) (القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء».(2)
وقال الدارمي رحمه الله(280ه)(والآثار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه ,بائن من خلقه))(3)
وقال الإمام الطبري(وأنه سبحانه وتعالى يهبط كل ليلة وينزل إلى السماء الدنيا,لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم))(4)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا كان ثلث الليل الباقي يهبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا ثم تفتح أبواب السماء ,ثم يبسط يده فيقول : هل من سائل يعطى سؤله ؟فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر)(5)
وعقد الإمام ابن خزيمة رحمه الله (311ه) بابا في كتاب ((التوحيد)) افتتحه بقوله :باب ذكر أخبار الثابتة السند ,صحيحة القوام,رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جلا وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة .
نشهد شهادة مقر بلسانه ,مصدق بقلبه,مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن يصف الكيفية لأن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل ,والله عز و جل لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم,فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية ,إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أنَّ الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يَنْزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أنَّ النُّزول من أعلى إلى أسفل )(6)
وقال أبو العباس السراج رحمه الله(313ه)((من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى يعجب ويضحك,وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا,فيقول(من يسألني فأعطيه؟) فهو زنديق كافر ,يستتاب,فإن تاب وإلا ضربت عنقه ,ولا يصلى عليه ولا يدفت في مقابر المسلمين)(7)
قال الذهبي معقبا على هذا الأثر((قلت إنما يكفر بعد علمه بأن الرسول قال ذلك ثم إنه جهد ذلك ولم يؤمن به))كتاب العلو.
وقال أبو بكر بن أبي داود محدث بغداد(316) :
تمسك بحبل الله واتبع الهدى...ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي... أتت عـن رسـول الله تنجـو وتربـح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة *** بـلا كيـف جـل الواحـد المتمـدح
الى طبق الدنيـا يمـن بفضلـه *** فتفـرج أبـواب السمـاء وتفتـح
يقول ألا مستغفر يلـق غافـرا *** و مستمنـح خيـرا ورزقـا فيمنـح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهـم *** ألا خـاب قـوم كذبوهـم وقبحـوا(8)
وقال أبي الحسن الأشعري رحمه الله(324 ه) : ""ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول : ( هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ ) وسائر ما نقلوه و أثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل . ونعوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ولا نقول على الله مالا نعلم))(9)
وقال رحمه الله((ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وذكر حديث النزول بالسند عن ثلاثة من الصحابة وهم:جبير بن مطعم وأبو هريرة ورفاعة الجهني رضي الله عنهم)(10).
وقال الإمام المشهور ابن أبي زمنين رحمه الله(399ه)تعليقا على حديث النزول : هذا الحديث بين أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون الأرض,وهو أيضا بين في كتاب الله,وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم ذكر آيات دالة على علو الله تعالى)(11)
وقال الإمام أبو عمر الداني رحمه الله(444) : ومن قولهم : أن الله جلا جلاله وتقدست أسماؤه : ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من اليل ,فيقول(هل من داعي يدعوني فاستجيب له,وهل من سائل يسألني فاعطيه,وهل من مستغفر يستغفرني فاغفر له؟)حتى ينفجر الصبح,على ما صحت به الأخبار ,وتواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .نزوله تبارك وتعالى كيف شاء,بلا حد ولا تكييف.وهذا دين الأمة وقول أهل السنة في هذه الصفات أن تمر كما جاءت بغير تحديد ولا تكييف,فمن تجاوز المروي فيها وكيف شيئا منها ومثلها بشيء من جوارحنا وآلتنا فقد ضل واعتدى ,وابتدع في الدين ما ليس منه,وخرق إجماع المسلمين,وفارق أئئمة الدين)(12)
وقال ابن عبد البر رحمه الله((هذا الحديث ثابت من جهة النقل ,صحيح الإسناد,لا يختلف أهل الحديث في صحته ولا فيه(13) دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوص سبع سماوات,وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر(14),ثم ذكر الآيات الدالة على علو الله عز وجل(15)
وقال الإمام أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله(449ه) : ( ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف ، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه ، ويُمِرُّون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويَكِلون علمه إلى الله ) ، قلت : قوله : ( يَكِلون علمه إلى الله ) يقصد به علم كيفية النزول ، فقد استأثر الله بعلم الكيف ، أما المعنى فهو معروف من لغة العرب وهو لائق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ سورة الشورى ، الآية : 11 ] .(16)
و قال الإمام الإسماعيلي رحمه الله(369ه) : (وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقاد كيفية))(17)
وقال أبو الخطاب الكلوذاني رحمه الله(510ه) : (
قالو :النزول؟قلت ***:ناقله لنا قوم تمسكهم بشرع محمد
قالو :فكيف نزول؟فأجبتهم***لم ينقل التكييف لي في مسند(18)
وقال الشيخ عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني المالكي : (
والله ينزل كل آخر ليلة ***لسمائه الدنيا بلا كتمان
فيقول :هل من سائل فأجيبه***فأنا القريب أجيب من ناداني
حاشا الإله بأن تكيف ذاته***فالكيف والتمثيل منتفيان
والأصل أن الله ليس كمثله***شيء تعالى الرب ذو الإحسان(19)
وقال أبو الطيب رحمه الله : حضرت عند أبي جعفر الترمذي (295ه)فسأله سائل عن حديث نزول الرب,فالنزول كيف هو يبقى فوقه علو؟ فقال : (النزول معقول ,والكيف مجهول,والإيمان به واجب,والسؤال عنه بدعة))(20)
قال الإمام الذهبي معقبا-كما في كتابه العلو- : (صدق فقيه بغداد و عالمها في زمانه إذا السؤال عن النزول ما هو عي لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والإستواء عبارات جلية واضحة للسامع فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر).
وقال ابن القيم رحمه الله :
وكذا نزول الرب جلا جلاله***في النصف من الليل وذاك الثاني
فيقول لست بسائل غيري بأح***وال العباد أنا العظيم الشان
من ذا يسألني فيعطي سؤله***من ذا يتوب إلي من عصيان
من ذاك يسألني فاغفر ذنبه***فأنا الودود الواسع الغفران
من ذا يريد شفاءه من سقمه***فأنا القريب مجيب من نادان
ذا شأنه سبحانه وبحمده***حتى يكون الفجر فجر ثان
يا قوم ليس نزوله وعلوه***حقا لديكم بل هما عدمان
وكذلك يقول ليس شيئا عندكم***لا ذا ولا قولا سواه ثان
كل مجاز لا حقيقة تحته ***أول وزد وأنقص بلا برهان(21)